لا يمكن قطع سلسلة الهجمات التي نفذت في أواخر الأسبوع الماضي في دمشق، والمس برجال "الحرس الثوري" الإيرانيين، عن أحداث الأسابيع الأخيرة، وأساسا عن العملية التي نفذت في الشمال، أغلب الظن برعاية "حزب الله".
صحيح أن حرب الظلال بين إسرائيل وإيران تتواصل منذ سنوات عديدة، لكن يخيل أنه في الفترة الأخيرة شددت إيران ضغوطها للعمل.
ويجد هذا تعبيره تقريباً في كل جبهة ممكنة. في جهود تهريب السلاح إلى سورية وإلى لبنان، وفي محاولة المس بالإسرائيليين وباليهود في أثينا (التي أحبطت في عملية مشتركة لـ "الموساد" وأجهزة الأمن اليونانية)، وفي المساعدة المباشرة وغير المباشرة لمحافل "الإرهاب" الفلسطينية، وفي النشاط المتزايد في الساحة الشمالية، مع التشديد على "حزب الله"، الذي اجتاز خطاً أحمر خطيراً في أنه بعث أغلب الظن "مخرباً" من أراضي لبنان إلى إسرائيل إلى عملية في مفترق مجدو، بالحظ فقط انتهت دون إصابات في الأرواح.
في جهاز الأمن يعتقدون أن هذا النشاط هو وليد الفرضية الإيرانية بأن إسرائيل منشغلة بمشاكلها الداخلية على خلفية الأزمة التي يحدثها التشريع القضائي، وأنه يمكن تحديها أكثر مما في الماضي.
فرضية العمل هذه مغلوطة مرتين: مرة لأن المحور الأمني يواصل العمل مثلما في الماضي على إحباط "الإرهاب"، ومرة ثانية لأن ما قد يكتل المجتمع الإسرائيلي هو بالذات أزمة خارجية.
ترددوا في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة إذا ما وكيف سيردون على العملية.
رد مباشر على لبنان كان من شأنه أن يؤدي إلى رد مضاد وتصعيد غير مرغوب فيه. من جهة أخرى، فإن غياب رد كان من شأنه أن يفسر ضعفاً، يجرّ إلى عمليات أخرى من الشمال.
لقد سبق لـ "حزب الله" أن اخطأ في استنتاجات مشابهة في الماضي، عندما أدى غياب الرد الإسرائيلي إلى سلسلة محاولات خطف انتهت في تموز 2006 باختطاف إيهود غولدفاسر والداد ريغف ونشوب حرب لبنان الثانية.
وعليه، فقد سعت إسرائيل لتوضح الآن لـ "حزب الله" ولأسياده الإيرانيين بأنهم يلعبون بالنار، لكن دون كسر القواعد (ليس الآن على الأقل). هجمتان نفذتا في ليلتي الأربعاء والخميس قد تنقلان بالضبط مثل هذه الرسالة. على بؤرة الاستهداف كانت وسائل وبنى تحتية إيرانية، فيما قتل في الهجوم الثاني مسؤول كبير في الحرس الثوري الإيراني أيضاً، ميلاد حيدري، الذي كان جزءاً من الجهاز الذي يعمل على بناء وتعظيم البنية التحتية الإيرانية في الشمال، والتي "حزب الله" في مركزها. وإلى جانبه قتل خمسة نشطاء إيرانيين آخرين كانوا هم أيضاً جزءاً من البنية التحتية التي تشغل قوة القدس في سورية وفي لبنان.
تفيد تجربة الماضي بأن مثل هذه الهجمات لا تقع بالخطأ. فهي تستند في الغالب إلى معلومات استخبارية دقيقة – من مستوى البنية التحتية موضع الهجوم وحتى التأكد المسبق لمسألة إذا كان الهدف مأهولاً، وبمن.
من المعقول بالتالي أن يكونوا عرفوا في إسرائيل أن رجال الحرس الثوري يتواجدون في المكان، وسعوا لأن يضربوه (أو لم يجتهدوا حقاً لأن يمتنعوا عن ذلك).
هذه رسالة واضحة لإيران بأنها هي وفروعها يلعبون بالنار وأنهم سيدفعون ثمناً على ذلك.
سارعت إيران لتهدد بالثأر على تصفية رجالها. لا حاجة للتأثر بذلك: فإيران تحاول كل الوقت أن تقتل إسرائيليين ويهوداً في كل زاوية في العالم، والهجمات الأخيرة لن تغير شيئاً في هذا الجانب. وهي بالفعل يفترض بها أن تفهم حدودها، وتستنتج أنها إذا ما تجاوزتها – مثلاً من خلال تسخين الجبهة اللبنانية – فإن إسرائيل ستعمل بطريقة مشابهة، وستدفع إيران وفروعها ثمناً باهظاً. وعلى الطريق، يزرع مثل هذا الهجوم أيضا الخوف وتثبيط المعنويات في أوساط رجال الحرس الثوري الذين يخافون المجيء إلى سورية خشية ألا يعودوا إلى ديارهم أحياء.
ينبغي الأمل في أن تكون هذه الرسالة وصلت إلى طهران (ودمشق وبيروت). من جهة هكذا حصل في الماضي، وان كان لفترات قصيرة لكن إيران فهمت في كل مرة بأن النار سيُرد عليها بالنار. من جهة أخرى، نوجد في فترة شاذة ليس فقط بسبب الانكسار الداخلي، بل أيضا بسبب الصدوع في المحور الإسرائيلي – الأميركي والضعف المتزايد للولايات المتحدة في المنطقة. على إسرائيل أن تتأكد من أن إيران لا تحاول استغلال كل الأمور لمواصلة نشاطاتها، وبالتالي ترفع شارة الثمن التي تجبيها.
عن "إسرائيل اليوم"