في منتصف القرن الماضي وصفوا لبنان بأنه "سويسرا الشرق الأوسط": دولة مزدهرة ومتطورة، ذات مجتمع تعددي، وتعيش عناصرها المختلفة – طوائف وجماعات دينية – معاً في تعايش استثنائي.
تحطّم كل هذا ما أن نشبت في الدولة حرب أهلية مضرجة بالدماء، لم ينتعش منها لبنان حتى أيامنا هذه.
صحيح أن النار توقفت، لكن اللبنانيين لم ينجحوا في رأب الصدوع وإعادة بناء الدولة، وعمليا لبنان هو اليوم جثة سائرة – اقتصاد في انهيار، ساحة سياسية مشلولة، وشبان يسعون ليغادروا بحثا عن حياة أفضل في الغربة.
لاستكمال عملية الهدم تطوع "حزب الله"، الذي عمل ليدفع نفسه قدما كميليشيا مسلحة تفرض الرعب والإرهاب على الدولة وتفشل كل محاولة لإعادة بنائه.
خرج أمين عام "حزب الله"، حسن نصرالله" الأسبوع الماضي، من الخندق الذي يختبئ فيه، وتباهى بأنه كان محقا حين قال عن إسرائيل إنها اضعف من بيت العنكبوت، بل توقع أن تنهار قريبا بسبب ما يجري داخل المجتمع الإسرائيلي، وذلك دون أن يضطر تنظيمه ليحرك ولو إصبعا.
نصرالله ولبنان يوجدان في أعماق الهوة، لكن الحقيقة هي أنه مثلما خرب لبنان لعله يفهم شيئاً ما في هدم الدولة من الداخل.
بالفعل، يجدر بالسياقات التي تمر اليوم على المجتمع الإسرائيلي، مجتمع قبائل وطوائف، أن تقلق كل واحد منا، وبخاصة من يعرف عن كثب تاريخ لبنان المجاور – جنة عدن شرق أوسطية خربها اللبنانيون أنفسهم.
فشل اللبنانيون في محاولة إقامة مؤسسات وطنية تشكل إطارا جامعا، يمكن أن يتحد حولها عموم مواطني الدولة: لا ساحة سياسية، لا جيش وقوات أمن انهارت وتفككت في لحظة الحقيقة، لا مؤسسات مجتمع مدني، لا جهاز تعليم، ولا جهاز قضاء. فالانقسام لم يتلخص فقط في الجدالات في ميدان المدينة ولا حتى في وجود وسائل إعلام منفصلة، لكل معسكر صحيفة، إذاعة، وقناة تلفزيونية خاصة، ولا حتى في وجود أطر تعليمية منفصلة، بل أيضا وأساسا في نشوء ميليشيات مسلحة، كل طائفة وميليشياتها، واقع أدى في نهاية الأمر إلى المصيبة.
رأى زعماء الدولة أنفسهم زعماء عائلة أو طائفة، ولم يتمكنوا من أن يضعوا مصلحة الدولة قبل مصلحتهم أو مصلحة طائفتهم.
وهكذا، بدلاً من رأب الصدوع، ورص الصفوف وإيجاد القاسم المشترك، شجعوا الانقسامات وسعوا لأن يبنوا أنفسهم من الشقاق والنزاع.
وأخيرا، آمن اللبنانيون دوماً بأن العالم الكبير سيتدخل وسينقذهم من أنفسهم، ولهذا استخفوا بالأزمات التي ألمت بالدولة. لكن الأمر لم يحصل. كل من تدخل في ما يجري في لبنان – م.ت.ف، سورية ولاحقا أيضا إسرائيل، بل الأميركيون – فعل هذا كي يحقق مصالحه، ولهذا فان التدخل الأجنبي فاقم الأزمة فقط.
قاعدة حديدية في تاريخ لبنان هي أنه في كل صراع "لا منتصر ولا مهزوم". بمعنى لن يكسب أحد من الحرب، وفي نهاية الأمر سيضطر إلى أن يبحث عن حل وسط، يأتي في الغالب متأخراً. لقد درج اللبنانيون بشكل دائم على أن يتجاهلوا هذه القاعدة، وأملوا دوماً في أنهم سينجحون هذه المرة في التغلب على خصومهم، وهكذا جروا الدولة وسكانها إلى حرب إثر حرب، جلبت على رؤوسهم المصيبة.
عشية نشوب الثورة السورية قال بشار الأسد إن سورية ليست تونس أو مصر، ولن تنشب فيها ثورة مثلما حصل في جيرانها العرب. ثمة بعض الحق في أقوال الأسد إذ لكل دولة خصوصيتها ومسار خاص بها تسير فيه، والدليل أنه بقي في كرسيه. لكن النار وصلت أخيرا إلى سورية، كما هو معروف، والثمن دفعه ولا يزال يدفعه ملايين السوريين.
إسرائيل ليست لبنان، المجتمع الإسرائيلي يختلف عن المجتمع في لبنان، وهكذا أيضا قوة الدولة ومؤسساتها.
ومع ذلك، في مؤشرات اللبننة التي طلّت لدينا يجب أن نقاتل بكل قوة خشية أن نصبح لبنان رغم كل شيء.
عن "إسرائيل اليوم"