هارتس : معالجة أمراض إسرائيل على الطريقة السويسرية !

حجم الخط

بقلم: ابراهام بورغ*

 

 



في هذه الأثناء تتفكك إسرائيل أجزاء صغيرة. ما بدأ بـ "كورونا" تم استكماله بالاحتجاج. بالإجمال، لا يوجد إسرائيلي كامل، ومن الجيد أن الأمر هكذا. كشفت سلسلة الوباء، والتشريع والاحتجاج، الفجوة الكبيرة بين الحكومة في القدس وبين فسيفساء إسرائيل.
في فترة "كورونا" (من يتذكر؟) فعلت كل طائفة ما يروق لها. أبقى الحريديون المدارس مفتوحة، واستمر العرب في إجراء احتفالات الزفاف، وجمع احتجاج بلفور حوله جمهور الغاضبين، وفي التشريع فتح شرخ آخر في المبنى الذي كان يبدو أنه ما زال قابلاً للبقاء. في الاحتجاج، الذي يوجد الآن في حالة عطلة، هناك حرب بين كتلتين متصارعتين. متصارعا سومو بالوزن الثقيل، من جهة اتباع الديمقراطية الجزئية التي كانت هنا حتى الانتخابات الاخيرة، ومن الجهة الاخرى الذين يريدون قضم القليل الذي كان موجوداً هنا. ربما سيولد الحوار واقعا دستوريا جديدا، وربما سيؤدي الى الإحباط. من يعرف... ربما، من المرجح أن يؤدي هذا الى شيء ما غير واضح في الوسط.
يبدو أن ثمار الأسابيع الأخيرة سنتذوقها في جميع قوائم الطعام السياسية التي ستقدم لنا. هذه الايام، التي توجد بين المعارك، تمنحنا فرصة نادرة لنسأل انفسنا بصدق: هل بين تعصب لفين وتصميم الشارع وبين انغلاق نتنياهو ومشاعر المواطنين، تكمن بالفعل نواة لإسرائيل مختلفة تماما؟ جوابي هو واحد: بالتأكيد. ربما تكون هناك بنية مختلفة لإسرائيل المستقبلية؛ كونفيدرالية تشبه جدا الكونفيدرالية السويسرية. نعم، أسمع موجات الضحك وأشعر بالاستهزاء. "عندما ستكون عندنا جبال الألب والشوكولاتة والجبنة السويسرية، حينها يمكنك التحدث معنا عن ذلك". مع ذلك، أنا مستعد للمخاطرة والقول بأنه في أي تغيير دراماتيكي يتجاوز الطريقة التي تذكرنا بمقاربة سويسرا فإن احتمالاتنا لخلق مستقبل قابل للعيش ضئيلة، ومزروعة بالأخطار.
قبل بضع سنوات شاركت في ندوة ممتعة في مكان ما فوق قمة جبل تغطيه الثلوج في سويسرا. دعت لهذه الندوة رئيسة الكونفيدرالية السويسرية السابقة، ميشلين كالمي – ري. في كلمتها الافتتاحية طرحت الاسئلة التالية: كيف يمكن نموذج سويسرا 8 ملايين مواطن من أن يكونوا احد اكبر الاقتصادات التنافسية جدا في العالم؟ كيف يوفر نموذج سويسرا السلام والأمان للسكان بدون أن تكون سويسرا عضواً في الاتحاد الاوروبي أو "الناتو"؟ كيف تنجح سويسرا في التصرف في واقع قومي فيه اربع لغات وعدد من الديانات وثقافات مختلفة و23 في المئة من السكان غير سويسريين على الإطلاق؟ نعم هذه اسئلة صعبة لمن تواجهه تحديات مشابهة، لكن ليست لديه الشجاعة والكرم من اجل فحص نماذج حياة مختلفة، مثلي أنا مثلاً.
مع كالمي ري تعرفنا، نحن المشاركين من كل أرجاء العالم، على احتمالية تطبيق الطريقة السويسرية الخاصة في اماكن اخرى. الى جانب الولايات المتحدة وكندا ودول اخرى فان سويسرا فيدرالية. خلافاً للدول الاخرى هي مناسبة اكثر كنموذج لمجتمعات مقسمة ومناطق مليئة بالخلافات. هي تعرض علينا اكثر من الشوكولاتة وأجراس الأبقار والاستفتاءات العامة. هذه دولة قديمة جدا وغنية بهويات لم تختف مع السنين، وقد خلقت الظروف الجغرافية والإنسانية الشديدة فيها بنية حكومية لاستقلال محلي وطائفي كبير على حساب السلطة المركزية. هذا مجتمع سياسي بني من الأسفل، ولم يتم إملاؤه أو فرضه من الاعلى. النتيجة العميقة والتاريخية هي نظام ديمقراطي متزن ومستقر من الداخل ومحايد نحو الخارج.
دولة سويسرا هي كونفيدرالية لأقاليم مع حكم ذاتي (الكانتونات المشهورة) التي تتحدث بلغات مختلفة وتحافظ كل واحدة حسب طريقتها على ثقافة وهوية قديمة. هي تدار بطريقة مدنية، محلية وحكومية ايضا. هناك مواضيع هي من ضمن صلاحيات الحكومة المركزية، وهناك مواضيع اخرى هي ضمن المسؤولية الحصرية للكانتونات. كل واحد من هذه الكانتونات توجد له منظومة خاصة به تقريبا تشبه الدولة: حكومة، برلمان، دستور، ومحكمة. توجد كما قلنا اربع لغات رسمية، والاغلبية الساحقة من المواطنين يتحدثون على الاقل لغتين، هذا مهم جدا لخلق مناخ من الحديث والحوار.
لا يوجد أي شيء مقدس في بنية إسرائيل الحالية. في المقابل، هناك امكانية كامنة متحمسة في التجدد وتقليص مركزية الدولة. من "القدس الموجودة في الاعلى" المنفصلة عن "إسرائيل الموجودة في الاسفل" والفضاء السياسي الحساس المشترك مع كل الاختلافات التي توجد فيه. القليل من الحكومة مقابل المزيد من الطوائف المتشاركة والمتحاورة، والمزيد من الحرية والمساواة. مع نموذج سويسرا يمكننا أن نعيد الى حياتنا السيادية الحكم الذاتي والمجتمعي الذي كان لدينا في الشتات، وأن نحتوي بمساواة وتقدير الطائفة الفلسطينية – الإسرائيلية. يمكن تفويض اكبر قدر من مجالات المسؤولية والاستقلالية للافراد والطوائف والقبائل والانتقال من الدولة التي تقوم بمحو الهوية عن طريق بوتقة الصهر الى "مجتمع كل طوائفه" المتصارعة والتي تكمل بعضها البعض.
في إسرائيل سيفتح التنازل والحوار مجالات جديدة للاخوة، تلزم الجميع بتحمل عبء المسؤولية، حريديين ومستوطنين، عرباً وعلمانيين، صهاينة وغير صهاينة، ومركز وضواحي. دستور كامل وشامل وليس دستوراً لليهود فقط. وعدم الاهتمام فقط بمشاعر الحريديين، بل مبادئ متساوية ومتبادلة بين جميع الإسرائيليين. هذا اساس تعافي إسرائيل من أمراض المناعة الذاتية التي تهاجمها.


عن "هآرتس"
ــــــــــ
*رئيس كنيست أسبق.