شدَّد الإسلام على العلاقات الأسرية والمجتمعية كثيراً وفي نصوص عديدة، وذلك حمايةً للنسيج الإنساني الذي يُحافظ على استمرارية العلاقات المجتمعية بطريقة آمنة وسليمة.
ولعل شهر رمضان هو الوقت المناسب الذي يضطر فيه البعض لتقويم سلوكهم ومن ضمنها صلة أرحامهم والمصالحة فيما بينهم وبين أفراد العائلة الواحدة.
الكثير من الأعباء والمشكلات الاقتصادية والمجتمعية والإنسانية تُسهم في قطاع غزّة بازدياد القطيعة والبغضاء بين الأخوة والأقارب والأمثلة كثيرة على ذلك.
مراسلة وكالة "خبر" استطلعت آراء المواطنين في هذا الجانب والأسباب التي تدفع الكثيرين لقطع أرحامهم أو وصلها والتي جاءت على النحو التالي:
"لن نتصالح مهما حدث"
"محمد.أ" يقول: "عمي ووالدي لم يتحدثا مع بعضهما البعض منذ ما يقارب العشرة أعوام، مع أننا نقطن في عمارة سكنية واحدة وندخل ونخرج من نفس الباب إلا أننا نعيش كالغرباء، وتأتي مناسبات سعيدة وحزينة لكل منا ولا أحد يُشارك الآخر تلك المناسبات، وكأن الشيطان دخل وتربع بين جدران المنزل ولم يُفارقه منذ سنوات".
ويُضيف محمد، في حديثه لمراسلة "خبر": "إنَّ المشكلة بدأت بين أبي وعمي حينما كانت زوجة عمي تحتضر وبسبب بعض المشاحنات بينها وبين أمي، بعد أنّ انقطعن الاثنتين عن زيارة بعضهما البعض، وأثناء مرض زوجة عمي الذي توفت بعده، أوصت بأنّ لا نحضر جميعنا الجنازة ولا نُشارك فيها، ولم يكن لنا أيّ ذنب في تلك المشاحنات وخصوصاً أبي وعمي، وحين توفت زوجة عمي، سارعنا لنقف مع عمي وأولاده في مصابهم، لكننا تفاجئنا أنهم يطردوننا أمام الناس وطردوا أمي كذلك، كانوا وقتها يقولون إنّها وصية والدتهم وهم ينفذوها، ومن بعدها حدثت القطيعة، وفي هذا الشهر تدخل الأصدقاء بين أبي وعمي ليتصالحا وقد تم الأمر بينهما والحمد لله، لكننا نحن كأولاد عم لن نتصالح مهما حصل، لقد أهانونا ولم يكن لنا أيّ ذنب في ذلك، وطردونا أمام الملأ، والآن يريدوننا أنّ نتصالح في الخفاء، وهذا لن يحدث".
قصة محمد مع أبناء عمه ليست إلا نموذجاً مُصغراً عن مئات القصص والقطيعة التي تحدث في أيّ مجتمع، ويتدخل فيها أهل الخير ويتم الصلح وتعود العلاقات بين الأسر كما السابق.
"الوضع الاقتصادي" أحد الأسباب
المواطن "أسامة. لـ"، أرجع قطع الرحم الحاصل بين العشرات من الأسر في غزّة لعدة أسباب أولها الوضع الاقتصادي، فقال: "الوضع الاقتصادي السيء، وعبء الزيارات والهدايا التي أصبحت واجبة في الزيارات هي التي جعلت الأهل لا يرون بعضهم البعض سوى في المناسبات السعيدة أو الحزينة، فالمواطن الذي لا يملك سوى عشرة شواكل، هل سيشتري فيها طعام لأسرته أم يشتري بها هدية لأقاربه لزيارتهم، من الطبيعي أن يشتري طعاماً لأولاده ويكتفي بالسؤال عن أقاربه عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو مكالمة هاتفية، بالإضافة لانعدام الوازع الديني عند البعض، يصومون ويصلون ويؤدون جميع الفرائض وعند رحمهم لا عين رأت ولا أذن سمعت".
وسرد أسامة، قصة حدثت مع قريب له قبل سنوات، وقال: "لي قريب أعطاه الله من الخير الكثير، لكِنه لا يصل رحمه لا في مناسبات ولا في غيرها، وفي شهر رمضان يكتفي بإرسال صدقته لهم عن طريق أحد الموظفين لديه، وأحياناً كثيرة ينساهم، ومن بين رحمه الذين يتناساهم شقيقته الوحيدة، التي لم يكن يسأل عنها، ولا يزورها مع أنّ كبار العائلة حذروه من قطعها وضرورة السؤال عنها، وكان في كل مرة يعد بالسؤال عنها ولا يفعل، أخته كانت فقيرة جداً، وتوفى زوجها وتركها هي وأطفالها لا معيل لهم، وعلمنا أنّها ذهبت لأخيها تطلب مساعدته، وقد تعامل معها كأنها متسولة، ومن يومها قاطعته أخته أيضاً وأخبرت الجميع أنَّ أخاها قد مات".
وأضاف: "هذا العام أصيب أخاها بمرض خطير وأصبح يُصارع الموت يومياً، ويطلب من أخته أنّ تسامحه وتذهب لزيارته لكِنها رفضت ذلك وقالت إنَّ أخاها مات يوم عاملها كمتسولة ولم يسأل عنها طيلة سنوات احتياجها وضعفها، وللأسف هو توفى ولم ينل مسامحتها وانقطعت العلاقة بينهما وبين أولادهما إلى للأبد".
التربية السليمة أساس للعلاقات
سناء عبد الرحمن، تقول: "إنَّ كثير من العائلات ما زالت أواصر العلاقات فيها متينة جداً، فيزورون بعضهم البعض في كل وقت، وإنّ حدثت أيّ خلافات بينهم يقوم العقلاء فيها بحلها في وقتها لكي لا تزيد النار والقطيعة بين أفرادها، وأرجعت ذلك للتربية السليمة من الآباء حتى توارثها الأبناء فيما بينهم".
وتابعت: "أنا كأيّ أم أربي أولادي منذ الصغر على أنّهم ليس لهم غنى عن بعضهم البعض وأنّ الأخ سند لأخيه وأخته، لأنّني أؤمن أن التربية السليمة هي التي ستحافظ على نسيج العائلة لأولادنا وأحفادنا من بعدنا، ولأننا خرجنا من عائلة تعلمنا فيها من أهلنا أنّ نحافظ على علاقتنا مع بعضنا ونورث ذلك لأولادنا".
وأكملت: "شهر رمضان من أكثر الشهور رحمة وخير للناس، ولأنَّ الإسلام شدد على صلة الأرحام، نبدأ أنا وزوجي بزيارة رحمه ورحمي أيضاً، من أول يوم في شهر رمضان نقوم بزيارة أسرة بعد الإفطار ومن ثم نعود لمنزلنا، وفي كثير من الأحيان نأخذ فيها أولادنا لتلك الزيارات لكي يتعرفوا أكثر على أهلهم ويستمر التواصل والزيارات بينهم".
"فليصل رحمه"
ولصلة الرحم صور متعددة دعا إليها الإسلام منها: "زيارة الأرحام وتفقّد أحوالهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وصلة القاطع منهم، والتصدق على فقيرهم".
وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة على الأرحام بقوله: "إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَإِنَّهَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ"، وأولى الأرحام بالصلة الوالدان، ثم من يليهم من الأهل والقرابة.
وقد أعد الله تعالى الأجر الكبير والثواب الجزيل لمن يصل رحمه، فإن من أعظم ما يجازي به الله تعالى واصل الرحم في الدنيا أن يوسع له في الرزق ويبارك له في العمر، قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
"لا يدخل الجنة..!!"
أما قطيعة الرحم فهي كبيرة من كبائر الذنوب، وقد رتب الله العقوبة والطرد من رحمته لمن قطع رحمه، قال الله تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ"، وليس أعظم من أن قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ"، أما في الآخرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ".
وليس هناك أفضل من شهر رمضان، حيث يتقرب فيه المسلم لربه بصلة رحمه، ابتغاء لمرضاته وعظيم ثوابه، وإزالة لما قد يقع في النفوس من شحناء، فالمبادرة بالزيارة والصلة وإن كانت شاقة على النفس ولكنها عظيمة القدر عند الله.
وفي إطار استطلاع آراء المواطنين عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، رصدت وكالة "خبر"، أسباب قطع صلة الرحم في شهر رمضان، وقد كانت كالتالي: