كتبتُ سابقاً عن أشهر بؤر المتزمتين الحارديم، حي مائة بوابة، (مائة شعاريم) في القدس، هذا الحي الذي خرج عن كونه حياً سكنياً ثانوياً مهملاً في القدس ليحتل اليوم مركز السطوة والنفوذ للحارديم على إسرائيل كلها، فهو يقرِّر مستقبل إسرائيل القادم، إسرائيل الدينية بوجهها الحقيقي، بطاقية الكيبا والقبعة المستديرة السوداء، وليس بشعار الديموقراطية المزعومة!
أكتب مقالي اليوم عن حي جديد سيُجْرِي الصياغةَ نفسَها على مدينة تل أبيب، ويغيرها من مدينة للعلمانيين إلى مدينة حريدية دينية، وهو حي بني براك بعد أن نشرت صحف إسرائيل يوم 25-3-2023 خبراً يقول: «أقدم الأصوليون الحارديم على تغيير اسم شارع كبير في الحي، (شارع مستوطنة غاليوت) لأنه اسم علماني غيروه باسم جديد هو شارع (الأدمور). والاسم الجديد هو لقب رتبة دينية يهودية لا يعرفه إلا الحارديم المتزمتون، بخاصة طائفة الحاسيديم، اسم الأدمور، هو اختصار لثلاث كلمات دينية (سيدنا، معلمنا، حاخامنا)!
أقيم حي بني براك عام 1924 على أنقاض قريتنا الفلسطينية (الخيرية) على مساحة حوالى ثلاث كيلو مترات، اشتق اسم الحي من التوراة (أبناء البرق) وأصبح في بداية تأسيسه مقراً لسكن العلمانيين والحارديم، ولكن تكاثر الأصوليين المتدينين ولا سيما من طائفة التيار (الحسيدي) جعل لهم الهيمنة على نظام الحياة، فرضوا طقوس حظر التجول يوم السبت، وفرضوا نظام الطعام الكوشير، وفصلوا بين النساء والرجال في المحلات التجارية، وفي حافلات (مهادرين) الشرعية أُجبرتْ النساءُ على الصعود من البوابة الخلفية للحافلات، يجلسن في النصف الثاني من الحافلة، ولا يسمح لهن الجلوس أو الصعود من البوابة الأمامية!
لذلك شرع العلمانيون في مغادرة حي بني براك في سبعينيات القرن الماضي، وبقي بعضهم في حي معزول يقع شمال بني براك اسمه، برديس كاتس!
يعدُّ الحي من أكثر أحياء العالم اكتظاظاً بالسكان، يحظى بالمرتبة الخامسة عالمياً في الاكتظاظ السكاني، يبلغ عدد سكان الحي حوالى ربع مليون ساكن، يقع في المرتبة الخامسة عالمياً في نسبة السكان في الكيلومتر الواحد، 28,000 ساكن في الكيلومتر!
يرفض حاخامو الحي المساواة بين الرجال والنساء مثلما هو الحال في تل أبيب، «استحدثوا أول محطة إذاعية، ليس فيها أي صوتٍ نسائي، لأن صوت النساء عورة» وفق موقع، أروتس شيفع يوم 25-9-2018 ! يمنعون نشر أية صورة للنساء في الشوارع العامة، ويحذفون صور النساء المرشحات للكنيست من دعايات الانتخابات!
ظل هذا الحي بؤرة نشر وباء الكورونا (كوفيد2019)، قال البرفسور، عميرام غولدبيوم برفسور الكيمياء في الجامعة العبرية يوم 24-2-2020: «الحارديم مسؤولون عن نشر وباء كوفيد19 في حي بني براك، وحي مائة شعاريم، ومودعين عيليت، وإلعاد، وبيت شيمش، وحارديم أسدود، بسبب لمسهم تعويذة (المازوزاه) المعلقة في أبواب المنازل، والتي يلمسونها عندما يدخلون المنازل»!
في الحي أيضا مراكز لمنح البركات يُشرف عليها كبار الحاخامين، يمنحون البركات والتعويذات، ويصنعون لفائف التميمات (المازوزاه) المعلقة على أعلى أبواب البيوت، يزور كثيرون من العلمانيين ورؤساء الوزارات والوزراء والفنانون هذا الحي للحصول على البركات، يمنحون الحاخامين الأموال والتبرعات نظير ذلك، يسعى السياسيون اليساريون للحصول على أصوات الناخبين، لأن سكان الحي الحارديم يُطيعون أوامر الحاخامين، ولا يتمردون عليهم وينتخبون الأسماء التي يفرضها عليهم حاخاموهم، تصل نسبة التصويت في معظم أحياء الحارديم يوم الانتخابات إلى 89%، كان يقف على رأس مانحي البركات في حي بني براك الحاخام الثري، حايم كاينفسكي الذي توفي عام 2022!
أخيراً، إن صعود اليمينيين الحارديم إلى مصدر القرار في حكومة إسرائيل هو بداية فرض سيادة وهيمنة الأحياء الأصولية على المدن الإسرائيلية غير المتدينة، وإعادة صياغتها وفق قانون القومية، أي إسرائيل هي دولة الشريعة الدينية!!