«إسرائيل ديفينز» : الصراع على "قواعد جديدة" للعبة يمكن أن يؤدي إلى انفجار إقليمي

حجم الخط

بقلم: عمير رابوبوت



سيل الأخبار الأخيرة بشأن تسلُّل مسيّرات إلى الأراضي الإسرائيلية، والهجمات الإسرائيلية المتكررة على أهداف في سورية، ومحاولة الهجوم على أهداف إسرائيلية في اليونان، وتصاعُد التهديدات السيبرانية والهجمات بإطلاق النار في الساحة الفلسطينية، يمكن أن يبدو تراكماً، بالصدفة، لفترة تصعيد أمني «عادية»، وخصوصاً في أيام شهر رمضان الحساسة.
لكن الصورة الشاملة أكثر تعقيداً: كل اللاعبين الإقليميين هم اليوم في ذروة الصراع على «قواعد لعبة» جديدة تستطيع أن تؤثر في الأعوام المقبلة. وهذا الصراع يمكن أن ينزلق بسهولة إلى تصعيد إقليمي متعدد الجبهات. وهذا يشكل خطراً أمنياً كبيراً تحدث عنه رئيس الحكومة ووزير الدفاع المُقال في اجتماع في قاعدة جوية هذا الأسبوع.
ومن أجل فهم الصورة الواسعة يجب العودة عشرة أعوام إلى الوراء. عندما بدأ الجيش الإسرائيلي بتطبيق سياسة «المعركة بين الحروب» التي تهدف إلى منع «حزب الله» من التسلح بسلاح استراتيجي من إيران وإقامة موقع متقدم على الأراضي السورية، بالقرب من إسرائيل. وقبل كل شيء، كان هناك هدف استراتيجي، هو منع إيران من الحصول على سلاح نووي.
وفي إطار «المعركة بين الحروب»، وبالاستناد إلى تقارير أجنبية، هاجمت إسرائيل أهدافاً في الأراضي السورية، بينها مطارا دمشق وحلب. وكانت أحياناً تعلن مسؤوليتها عن الهجمات التي تنفّذها.

إيران تشعر بأنها أقوى
تدور معارك بين كل الأطراف تحت الأرض، أكثر مما يدور فوقها. لقد وقعت هجمات ضد شحنات السلاح أيضاً في شمال العراق، وانتشرت أخبار عن هجمات سيبرانية، معظمها كان سرياً.
الولايات المتحدة وروسيا لهما دور في هذه المعركة: تهاجم الولايات المتحدة بنفسها أهدافاً إيرانية من وقت إلى آخر (أكثر بكثير من اغتيال قاسم سليماني في العراق قبل عامين). وتسمح روسيا بتنفيذ هجمات على الأراضي السورية التي توجد فيها قوات جوية روسية.
وضمن إطار سياسة «المعركة بين الحروب»، أرسلت إيران مسيّرة إلى إسرائيل، جرى اعتراضها في سنة 2018. وكان واضحاً على الدوام أن هذه السياسة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، لكنها في هذه الأيام، تحديداً، تواجه تحدياً قوياً من إيران و»حزب الله» بسبب تراكُم عدد من الأسباب.
أحد الأسباب له علاقة بتغييرات جيو - استراتيجية عالمية. فالحرب الروسية - الأوكرانية أنتجت نظاماً عالمياً جديداً، شمل حلفاً بين إيران وروسيا التي تحتاج حاجة ماسة إلى مسيّرات هجومية تزودها بها إيران. الصينيون أيضاً أنشؤوا جبهة مواجهة ضد الولايات المتحدة، مع أقل قدر من الظهور. وتشعر إيران بأنها قوية أكثر من أي وقت، وتخصّب اليورانيوم بوتيرة سريعة في هذه الأيام.
التغيُّر الاستراتيجي، الذي شمل التقارب بين إيران والسعودية ودول اتفاقات أبراهام في الخليج الفارسي، والأزمة والتظاهرات الواسعة في إسرائيل، أمور كلها اعتُبرت ضعفاً إسرائيلياً في بيروت وطهران. هذا التغيير يشجّع إيران و»حزب الله» على محاولة تغيير معادلة «المعركة بين الحروب» التي شملت، حتى الآن، رداً محدوداً على الهجمات الإسرائيلية في الأراضي السورية (امتنعت إسرائيل تماماً من مهاجمة «حزب الله» في لبنان، والمرة الوحيدة التي قامت فيها بذلك، حرص نصر الله على الرد عليها).

نقطة تحوُّل
الحادث المخطَّط له لتغيير معادلة «المعركة بين الحروب»، وقع في 13 آذار الماضي. جزء من تفاصيل الحادث ممنوع من النشر، لكن يمكن القول إنه في ذروة التظاهرات في إسرائيل، جاء في ذلك اليوم «مخرب» من لبنان (لم تتهم إسرائيل «حزب الله» علناً، ولم يتحمل نصر الله المسؤولية عن الحادث).
يبدو أن «المخرب» تسلّق السياج الحدودي بوساطة سلّم، ووصل إلى مجدو، حيث وضع عبوة ناسفة كبيرة، أدت إلى إصابة مواطن عربي من إسرائيل بجروح بليغة، واستطاعت القوى الأمنية العثور عليه قبل عودته إلى الأراضي اللبنانية. يمكن الافتراض أنه لم يتحرك وحده. لكن الحادث لا يزال يلفّه غموض كبير.
في جميع الأحوال، من الواضح أن حسن نصر الله يقف وراءه، وهو لا يريد فتح حرب شاملة ضد إسرائيل. هدفه كان إرسال رسالة إلى إسرائيل، مفادها أن في استطاعته القيام بهجمات استراتيجية في إسرائيل، رداً على هجمات هذه الأخيرة في سورية، وأحياناً في لبنان.
التُقِطت الرسالة جيداً، وأثارت معضلة في المؤسسة الأمنية في إسرائيل - كيف ترد؟ على ما يبدو، جاء الرد، هذا الأسبوع، عندما هاجمت إسرائيل، عدة مرات، أهدافاً لـ «حزب الله»، وفيلق القدس الإيراني في الأراضي السورية. حدث هذا كله بعد إقالة وزير الدفاع، ثم تجميد الإقالة. وفي المقابل، نُشرت تفاصيل إحباط الهجوم في اليونان، والمنسوب إلى إيران، واعتراض مسيّرة تسللت إلى إسرائيل من سورية، وحيّدها سلاح الجو بالوسائل الإلكترونية.

الساحة الفلسطينية
في هذه الأثناء، ومن دون علاقة بـ «المعركة بين الحروب»، يدور صراع على قواعد اللعبة في الساحة الفلسطينية. يمكن القول إن إسقاط المسيّرة فوق قطاع غزة، الإثنين الماضي، له علاقة بذلك. وحتى لو لم تكن الساحات مرتبطة ببعضها البعض، فإنها تؤثر في بعضها.
من المهم أن نذكّر بأن التهديد الوجودي والأكبر لإسرائيل والمنطقة هو أول قنبلة نووية إيرانية. هذا هو السبب الذي جعل مسؤولين أميركيين ينفجرون غضباً عندما علموا بإقالة وزير الدفاع الذي يُجري نقاشات حساسة وعميقة بشأن هذا الموضوع الملتهب.
    استخدم وزير الدفاع نفسه قناة سياسية: تواصلَ مع بني غانتس وآرييه درعي كي يعملا على إلغاء الإقالة، على أساس اعتذار يوآف غالانت، فقط على توقيت تصريحه المتعلق بالإصلاح القضائي، أمام الجمهور.
حتى الآن لم يقدَّم أي اعتذار، والإقالة لم تُلغَ، بل عُلِّقت. في جميع الأحوال، الواقع الإقليمي أقوى وأشد إثارة من القلق من التظاهرات، وأقوى من صراعات الأنا بين غالانت ونتنياهو: فقد اضطرا إلى التواجد في الغرفة نفسها، الإثنين الماضي، في قاعدة سلاح الجو مع رئيس الأركان وقائد سلاح الجو، والاهتمام بالموضوع الحقيقي.
بعد ساعات من الاجتماع، تحدثت وسائل الإعلام عن أوسع هجوم على الأراضي السورية في الفترة الأخيرة. بعدها أصبحت الكرة في ملعب إيران و»حزب الله». والتخوف الأكبر من أن تنزلق ألعاب الرسائل إلى حرب متعددة الجبهات في آن معاً، على الرغم من أن أي طرف لا يريدها.
في الماضي، جرى مثل هذه الحوادث: هجوم الخطف الذي بادر إليه نصر الله في 6 تموز 2006، يومها، أدى إلى حرب لبنان الثانية التي قادت إلى نشوء واقع أمني صمد على طول الحدود الإسرائيلية - اللبنانية مدة 17 عاماً. فهل انتهت هذه الفترة؟

 عن «إسرائيل ديفينز»