تخبط حكومة نتنياهو في مواجهة متغيرات متسارعة

image_processing20220730-467952-v01eg2.jpg
حجم الخط

بقلم مروان اِميل طوباسي

 

علينا ان ندرك انه ومنذ احتلال القدس وحتى الجريمة المستمرة منذ الأربعاء الماضي في المسجد الأقصى المبارك، وما قبلها مروراً بقرارهم ضم القدس واعتبارها عاصمتهم الموحدة واعتراف الولايات المتحدة بذلك لاحقا، فقد اسقطوا وفق روايتهم المزعومة وسياساتهم مبدأ مكانة القدس التاريخية الخاصة ووضع "الستاتيسكو" بها ، ليس بحق مقدساتها المسيحية والاسلامية فقط، وإنما بحقها كعاصمة فلسطينية محتلة وهو الأمر الأهم، وفق الاستحقاق الفلسطيني التاريخي والتراثي والحقوقي وقرارات الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية أيضا، وحتى من جُحر الاتفاقيات التي لدُغنا منها مراراً والتي لم تلتزم بها دولة الأحتلال سابقا كما ولن تلتزم بأواَخرها أيضا.


أن بداية نشأة مصطلح “الوضع الراهن” والذي يتكرر ذكره هذه الايام في ما يتعلق بمدينة القدس يعود إلى القرن التاسع عشر عند نزاع الكنائس المسيحية المتعلق بكنيسة القيامة، وكان يعني وقتها “عدم التدخل والحفاظ على الأوضاع في المقدسات كما هي عبر الزمن”.


وقد وسّعت لاحقا هذه المادة التي جاءت في اتفاقية برلين العام ١٨٧٨ زمن سيطرة الدولة العثمانية لتشمل ترتيبات كل الأماكن المقدسة وليس المسيحية فقط.


لكن دولة الاحتلال بمن تداول على حكوماتها من مكونات الحركة الصهيونية الليبرالية العلمانية او اليمين المتطرف والديني تجاهلت كل الأحداث التاريخية السابقة والقرارات المتلازمة بخصوص القدس على وجه التحديد، وباتت تُعرّف “الوضع الراهن” بوصفه عملًا سيادياً إسرائيليا بل ويهوديا .


إلا أن ما يعنيه الإسرائيليون بالوضع الحالي الراهن هو أن القدس لهم وهي "عاصمتهم الموحدة والأبدية"، وأن "الدولة اليهودية" لها الحق في السيطرة على القدس كلها بالرغم من وضعها الخاص الذي نص عليه قرار الأمم المتحدة، وما نصت عليه القرارات الدولية بشأن الجزء الشرقي من القدس كأرض محتلة منذ عام ١٩٦٧ كما وادانة الاستيطان فيها ورفضه.


فمنذ ان وصل نتنياهو مرة جديدة لرئاسة حكومة اليمين الديني الأكثر تطرفا وبداية اجراءات الانقلاب على ما يعتبرونه "ديمقراطية الدولة" والنظام القضائي فيها ، وما رافق ذلك من مظاهر الاحتجاجات الواسعة التي تابعناها خلال الأسابيع الماضية، رغم ان مظاهرات المعارضة اليهودية تلك ما زالت لا تدرك اثر الأحتلال الاستعماري على ما يدور بطرفهم ولم تتجرأ بعد على رفض هذا الاحتلال واستمرار اضطهاد شعبنا منذ "٧٥ عاما" .
وهذا ما سهل لنتنياهو أن يناقل مع ائتلافه من مكونات "الليكود" والاحزاب الصهيونية الدينية إلى مرحلة متقدمة من الفاشية التي تعتبر ان ارادة الشعب هي ليست الوسيلة للحكم وانما الوسيلة ترتكز على القوة وهي التي تفرض القانون ، وهذا ما يفعله نتنياهو من خلال التشريعات الجديدة التي نُفذت أو التي تم تأجيل البت فيها، وتشكيل ميليشيات الحرس الجديد وعصابات المستوطنين والمجموعات المرتبطة باليمين المتطرف وما رأيناه من عنف مؤيديه في مظاهرات الأيام الماضية، كذلك استمرار الجرائم بحق شعبنا بل وتصعيدها كما يحصل الآن.


لكن يبدو ان نتنياهو سيضحي بعلاقاته الدولية حتى مع اوساط بالادارة الاميركية من أجل مصالحه وافكاره الصهيونية من خلال استمرار ائتلافه واخراج الوحش الديني اليهودي القومي من القمقم ، وهو يراهن اليوم على أن مزيدا من الجرائم بحق شعبنا ومحاولات فتح جبهات أخرى قد يوحد المجتمع الاسرائيلي حتى ولو بشكل مؤقت في مواجهة "العدو القومي" في ظل التاَكل القائم بالمجتمع الإسرائيلي اليهودي وينقذه من المأزق الذي ادخل نفسه به بعد أن بلع المنجل كما يقال بالمثل الشعبي .


وبمنحه السلطة التنفيذية أفضلية كبيرة على حساب السلطات الأخرى التي تتمثل بشخصه هو كرئيس وزراء، فإن ذلك يذكرنا بتأثير موسيليني على نشوء الفاشية بايطاليا وتأثير تلك المبادئ على صعود الحركة النازية في ألمانيا زمن هتلر في عام ١٩٣٣ وحركة الفلانجية الأسبانية التي مثلها الجنرال الفاشي فرانكو باسبانيا عام ١٩٣٩ وغيرها من انظمة دول اميركا اللاتينية التي اتسمت بالفاشية قبل أن تسقطها الشعوب هنالك او قبل ان تنتهي بحروب طاحنة اطاحت بها منذ الحرب العالمية الثانية .


هذه الجرائم المبيتة لخدمة أهداف نتنياهو ، تتفق أيضا مع اجماع الأحزاب الصهيونية كافة، والتي ترى في معارضتها اضعافا لقوة الردع الإسرائيلية وهو الأمر الذي يراهن نتنياهو عليه لإعادة الإجماع الصهيوني والهروب للأمام من ما يحيط بحكومته من تخبطات .


لكن نتنياهو وحتى الأحزاب الصهيونية الأخرى على ما يبدو ما زالت لا تدرك تداعيات خطوات الانتقال إلى النظام الدولي الجديد وتراجع الهيمنة الأميركية في عديد من مفاصل بؤر الصراعات القائمة حول العالم ، بل ومن قدرة تأثيرها على مصادرة القرار المستقل بشأن السياسات الخارجية للعديد من الدول التي كانت الحليفة لها في وقت سابق . وهي برغم من الأشكال الجزئي القائم الآن بين بايدن ونتنياهو ، الا ان دولة الاحتلال ما زالت تعتمد حماية الولايات المتحدة لها من الادانة أو المحاسبة وفق ما شاهدناه قبل يومين من قيام الولايات المتحدة من اعاقة ومنع صدور بيان عن مجلس الأمن بشأن احداث القدس وفق ما تقدمنا نحن والشقيقة الأردن به بدعم من الصين . فمرة أخرى تكرر الولايات المتحدة موقفها المعهود بمساندة دولة الاحتلال في الوقت الذي تحاول فيه تقديم نفسها كوسيط نزيه .


متغيرات متسارعة دولية واقليمية تتزامن مع ما يجري من تصاعد العنصرية الإسرائيلية على الأرض والتي تحاول تمرير رؤية الحسم المبكر أو التدريجي وفق ما خُطط له سابقا في صفقة القرن بما يتفق مع رؤية الحركة الصهيونية .


تلك المتغيرات قد تشكل عائقا لتنفيذ رؤية تلك الحركة الصهيونية التي اعتمدت صياغتها في زمن غير الذي يجري اليوم .


معادلات جديدة وبناء تحالفات بدأت تظهر اليوم في الأقليم على سطح العلاقات البينية السياسية بين دول المنطقة التي رأينا تطوراتها الأخيرة بين السعودية وايران وسوريا والعراق والأردن ومصر والجزائر واليمن خاصة مع اقتراب القمة العربية وعودة سوريا الى الحضن العربي والمصالحة الجارية بينها وتركيا، كما وتلك التحالفات الدولية الناشئة الاقتصادية والسياسية بقيادة الصين وروسيا وتمددها إلى الشرق، كما والمتغيرات في أميركا اللاتينية التي تسقط عمليا الهيمنة الأميركية هنالك .


كما وان الأوضاع الاوروبية تتجه إلى عدم الاستقرار على اثر المظاهرات والإجراءات الكبيرة الجارية هنالك ضد سياسات حكوماتها الاقتصادية والاجتماعية وتبعيتها للسياسة الخارجية الأميركية بشان النزاع المفتعل مع روسيا على الأراضي الاوكرانية والتي باتت الشعوب الأوروبية تدفع ثمنه يوميا ، وهو ما وصفه زعيم اليسار الفرنسي المعارض بأزمة نظام وديمقراطية في ظل حكومات النيوليبرالية القائمة والتي تقود الى افقار شعوبها، وهو ما قد يفتح المجال في ظل موازين النظام الدولي الجديد إلى تغيرات في شأن مكون الاتحاد الأوروبي السياسي .


انني اعتقد ان كل ذلك لن يساهم بل سيشكل عائقا امام استمرار سياسات دولة الاحتلال التي تقوم على أساس التوسع الاستعماري والابرتهايد ، لذا فان نتتياهو والأحزاب الصهيونية الأخرى التي تحاول العودة إلى الحكم بمساندة أميركية ستجد نفسها أمام ازمات دولية جديدة لن تسمح ببقاء الوضع وفق ما خططت له قوى الاستعمار من انشاء دولة الاحتلال كرأس حربة لمشاريعها .


العالم يتغير ولن تبقى مجريات الأحداث والسياسات القديمة على ما كانت عليه ، وستجد دولة الاحتلال نفسها بمزيد من العزلة إضافة إلى ما اصبحت تعانيه من انتقادات قوى يهودية غير صهيونية بالعالم وتطور دور الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي بالولايات المتحدة والتي تعاني اليوم من ازمات مختلفة الأوجه.


علينا أن نرى من الغربال كافة زوايا التطورات الجارية والبناء عليها من خلال رؤية واضحة تقترن ببرنامج عمل كفاحي وادوات لتحقيق ذلك .