مع تسارع الاستعمار/ الاستيطان، وعمليات التهويد والاستيلاء على الأرض، تم – عمليا – تكريس إسرائيل دولة “أبارتايد”. فحكومة رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) وحلفاؤه من “الأبارتايديين” المتطرفين يؤكدون يوميا، عبر سياساتهم وممارساتهم، إصرارهم على السير في طريق “الدولة الواحدة” الاحتلالية بطعم عنصري توسعي، ينكر وجود الشعب الفلسطيني ولا يعترف بحقوقه. ومع شبه الدفن الفعلي لخيار “حل الدولتين”، تنزلق الدولة الصهيونية بسرعة (وتحديدا منذ قانون الدولة القومية اليهودية) إلى واقع الدولة العنصرية الواحدة الاحتلالية. وهو واقع يتعاظم مع تعاظم قوة اليمين الإسرائيلي المتطرف وسيطرته على الحياة السياسية والعسكرية.
واليوم، نستذكر أقوال أربعة رؤساء حكومات تعاقبوا لأكثر من مرة على الحكم في إسرائيل، أقروا منذ زمن بواقع “الأبارتايد” الذي يتجسد الآن بقيادة (نتنياهو) مع الوزراء الاسرائيليين المتطرفين. ففي مذكرات رئيس حكومة إسرائيل الأول (ديفيد بن غوريون) يتبين كيف أعطى أوامره لقوات جيش الاحتلال “كي تنغص معيشة اللاجئين الفلسطينيين ودفعهم بالقوة إلى الشرق، حتى لا يعودوا إلى بيوتهم وأراضيهم في المنطقة التي احتلتها إسرائيل في سنة 1948”. وأضاف متحدثا، عبر الراديو، بعد نكسة 1967 قائلا: “من الأفضل أن تتخلص إسرائيل من المناطق وسكانها العرب بأسرع ما يمكن. إذا لم يحدث ذلك ستصبح إسرائيل دولة فصل عنصري”.
أما (إسحاق رابين) فقد قال في حديث تلفزيوني عام 1976 خلال الفترة الأولى من ولايته كرئيس لوزراء إسرائيل: “لا أعتقد أنه من الممكن احتواء العرب على المدى الطويل، إذا لم نكن نرغب في الوصول إلى الفصل العنصري”. وفي السياق ذاته، وفي العام 1999، توقع رئيس وزراء إسرائيل (إيهود باراك) أنه “إذا انهار حل الدولتين، وواجهت إسرائيل صراعًا على غرار جنوب إفريقيا من أجل حقوق تصويت متساوية، فإن دولة إسرائيل ستنتهي”. أما رئيس الوزراء اللاحق (إيهود أولمرت) فقد أعلن في العام 2007 أنه “إذا لم تتمكن هذه الكتلة من ملايين الفلسطينيين من التصويت، ستكون (إسرائيل) دولة فصل عنصري”.
كل هذا، إضافة إلى وزراء وسفراء وقادة عسكريين سابقين وحاليين وكتاب ومفكرين إسرائيليين بارزين، أعربوا وما زالوا عن مخاوفهم من أن تلحق سياسة “الأبارتايد” الإسرائيلية الضرر بعلاقات إسرائيل الاستراتيجية وأن تؤدي لتسريع الإجراءات القانونية ضد إسرائيل، وبما ينعكس على الرأي القانوني لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي. أيضا يتجلى هذا الحال فيما جاء أيضا على لسان مفكرين وقادة دوليين لعل من أبلغهم موقف الفيلسوف اليهودي والمؤرخ والناقد السياسي الأمريكي (نعوم تشومسكي) حين قال: “لم أطلق على إسرائيل اسم ابارتايد لأنها أسوأ من نظام الإبادة الجماعية في جنوب إفريقيا”! أما الزعيم الجنوب إفريقي الأسطوري الراحل (نلسون مانديلا) فقال: “إذا كان على المرء أن يشير إلى أي من الأطراف على أنه دولة إرهابية، فيمكن للمرء أن يشير إلى الحكومة الإسرائيلية”.
وبعد أربع سنوات من انهيار النظام العنصري في جنوب إفريقيا، عرّف نظام روما الأساسي لعام 1998، الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، الفصل العنصري بأنه “أفعال غير إنسانية.. تُرتكب في سياق نظام مؤسسي من القمع المنهجي والسيطرة من قبل مجموعة عرقية ضد مجموعة أو مجموعات عرقية أخرى وترتكب بحجة الحفاظ على هذا النظام”. أوليس هذا، بالضبط، ما يحدث في فلسطين على أيدي “الأبارتايديين” الإسرائيليين بقيادة (نتنياهو)؟