حتى لا يكرر العرب دخولهم الالفية بالرجل اليمين

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

 

هل يصعد "العرب" على متن قارب التغيير نحو قطب آخر يحكم العالم للمائة سنة القادمة ؟ هذا هو السؤال / الهم ، الذي يشغل بال المفكرين العرب هذه الآونة وهم يرون بوضوح إعداد هذا القارب الصيني الروسي الإيراني في انتظار ساعة صفر الانطلاق في عباب موج بحر ما زال يبدو عاتيا .


لا شك ان كل هؤلاء المعنيين بالفكر والرأي والمعتقد ، يرغبون أكثر من غيرهم في ان تصعد الامة العربية في وطنها العربي الكبير على متن ذاك القارب ، بل وان يكون لها مكانا في قيادته، فيكفيها هوانا وتفككا وإذلالا ودعة استمرت لاكثر من ألف سنة ، منذ الصراع الاموي على الخلافة في دمشق، ثم الصراع العباسي في بغداد، ثم ملوك الطوائف في الاندلس، والمماليك في مصر، ثم السلطنة العثمانية التي استمرت لنحو خمسمائة سنة ، فالاستعمار الأوروبي الأبيض الذي قسم الغنائم بين بريطانيا و فرنسا وإيطاليا واسبانيا، وأخيرا أميركا التي وضعت يدها على مقدرات هذا الوطن الهائلة، مرة بالاستعمار المباشر كما في غزو العراق قبل عشرين سنة، او غير المباشر كما في الخليج او الاقتتال والاحتراب الذاتي، كما في سوريا ومصر وليبيا و لبنان والسودان واليمن . ووصل الامر بكاتب اميركي ان يتساءل : من ذا الذي زرع بترولنا تحت رمالهم ؟ أي ان البترول لهم و الرمل لنا .


في مطلع الالفية الثالثة ، قبل ثلاث وعشرين سنة ، وجه بعض هؤلاء المثقفين و المفكرين، دعوات صريحة، الى عدم السماح للعرب، دخول الالفية الجديدة ، لا بالرجل الشمال ولا بالرجل اليمين ، لطالما يدخلونها بالشبشب والدشداشة، وعقلية الكهف، و المرأة العربية ناقصة العقل والدين، لم تخلق الا للانجاب والطبيخ ، والانتماء الى الماضي اكثر بكثير من الحاضر والمستقبل، حتى وصل الامر ان يحكم الأموات الاحياء، والجامع الجامعة ، والغني الفقير ، والذكر الانثى ، وتوريث الحكم بشكل مؤبد، حتى اصبح لدينا محمد الثالث وعبد الله السادس والحسن الثاني وآل خليفة التاسع ... الخ . وفي غضون عشر سنوات من مطلع الالفية ، انفجرت "داعش" و النصرة والقاعدة والزرقاوي والبغدادي وامير الجماعة وقطع الرؤوس وسبي النساء و نكاح الجهاد بشكل يندى له الجبين ، جبين الإنسانية في ألفيتها الثالثة والثانية و الأولى ، بل وما قبل الميلاد والتاريخ .


لا تكفي هذه الاستدارة العربية التي نشهدها هذه الأيام ، والتي نشيد بها بكل تأكيد ، نحو مصالحات ذاتية، لم نفهم يوما أسبابا حقيقية علمية لخلافاتها، بين سوريا و السعودية مثلا ، او بين البحرين وايران، او بين اليمن والامارات، او حتى بين السنة و الشيعة، الا من باب سياسة "فرق تسد" الاستعمارية، حتى وصل الامر بالفلسطينيين الذين تخضع بلادهم الى استعمار استيطاني اقتلاعي ان يفترقوا و يختلفوا وينقسموا وهم ما زالوا في اوج مهمة تحرير وطنهم ، لم يكن قد مضى على دخولهم الالفية الجديدة أنذاك سوى بضع سنوات .