عـن عـودة سـوريـة

تنزيل (13).jpg
حجم الخط

بقلم عاطف أبو سيف

 

 

 

باتت عودة سورية إلى جامعة الدول العربية مسألة وقت، وبات اتفاق الأطراف على إنهاء الأزمة السورية أقرب من أي وقت مضى.
المؤكد أنه لا يمكن فصل عودة سورية عن التطورات التي تحدث في الإقليم بشكل عام، وهي تطورات ستكون لها تأثيرات أبعد على مستقبل الإقليم وعلى العلاقات المتداخلة فيه. وربما أهم سمات هذا التداخل هو التعايش بين كل الأطراف بصرف النظر عن التوجهات السياسية الحقيقية وطبيعة العلاقات الأخرى التي تربط كل طرف. هذا الكلام يشير بعبارة أخرى إلى دولة الاحتلال وعلاقة بعض الدول معها، أو ما يعرف بالتطبيع العربي الذي حدث قبل أكثر من سنتين، والذي لن يعني أي مصالحة عربية - عربية، أو عربية - إيرانية زواله، بل إن الجميع يعيش مع الجميع.
مرت سنوات على القطيعة العربية مع سورية وإخراج النظام السوري من المؤسسات العربية؛ بحجة غياب الشرعية وفقدان الحق في التمثيل في ظل وجود حرب أهلية، وزعم أطراف أخرى أحقيّتها في تمثيل الشعب السوري. سنوات من العذاب والمعاناة ومن التدمير والخراب، وتهجير ملايين السوريين لاجئين في بلاد الغير. تفككت سورية وتقسمت وتمزقت وعانت ما عانت. لقد كان ثمناً باهظاً ومؤلماً. ليس من الحكمة محاكمة الماضي لأننا لم نعد نعيشه ولا نستطيع تغييره، ولكن وجب القيام بمراجعة وجردة حساب سريعة؛ من أجل استخلاص العبر والوقوف على تحديات المستقبل.
المؤكد أن إخراج سورية من النظام العربي وقت اندلاع المشاكل، وسعي البعض إلى تمزيق البلاد، ودعم دول محورية على المستوى الإقليمي والدولي لما عرف بالثورة السورية، التي لم تكن إلا حلقة من مسلسل «الربيع العربي». من المؤكد أن هذا كله لم يكن بريئاً وأيضاً لم يكن حكيماً. فحتى لو كان ثمة صراع على التمثيل وعلى مقعد السائق، فإنه لم يكن يجوز أن يتم طرد دولة عضو وتعليق عضويتها لأن ثمة من يريد أن يخطف سدة الحكم. لقد كان إخراج سورية بحد ذاته مشاركة واضحة في الحرب الأهلية الدائرة، وانتصاراً لطرف على حساب الطرف الآخر، وعليه كان جزءاً من المعركة على سورية.
لقد رأت بعض الدول العربية المتنفذة في إخراج سورية، ومحاولة استبدال نظام الأسد بممثلين عن المعارضة، خطوة تجاه ترسيخ إخراج الأسد من النظام الدولي، وبالتالي إسقاط شرعيته، وكان الإصرار على ذلك جزءاً من الحرب الدائرة التي استهدفت وحدة القطر السوري، ووحدة الشعب السوري، وطبيعة النظام الذي يراد له أن يحكم سورية. ومع كل الملاحظات على طبيعة الحكم، وعلى غياب الديمقراطية الحقيقية، واهمٌ من ظن أن مثل هذه التدخلات يمكن لها أن تجلب الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة، وغير ذلك من قائمة «فريدم هاوس» الأميركية التي لا يتم السعي إلى تطبيقها إلا عند خصوم واشنطن، أما أصدقائها فهم معفون من أي علامات للتصحيح؛ لأن كل ما يقومون به صواب طالما كان يخدم مصلحتها.
طبعاً لا أحد يحاسب أحد الآن، ولن تجري مراجعة قاسية لكل ما تم من قسوة بحق الشعب السوري.. سيمر الأمر مرور الكرام، وسيظل سؤال المصالحة المجتمعية - بعد أن يقرر اللاعبون أن اللعبة انتهت - سؤالاً جوهرياً في كل ذلك؛ لأنه دون تلك المصالحة التي تضمن حقوق كل الضحايا وأمنهم بعد انتهاء الحرب لا أساس لأي استقرار مستقبلي.
تضمنت مبادرة الأردن توجهاً بهذا الخصوص، وهو ما يجب السعي إليه من أجل استقامة الأمر. فالقصة لم تعد مجرد صراع سياسي ولا تمثيلي، ولا احتراب بين أطراف إقليمية، بل مجتمع يجب إعادة بنائه من أجل أن يستطيع أن يقيم دولة الجميع.
في الحقيقة فإن شيئاً أعمق يجب أن يحدث يتعلق بكل هذا التاريخ من الاضطراب في المنطقة العربية، الذي حدث عقب حرق بوعزيزي التونسي لنفسه، ومن ثم إسقاط نظام زين العابدين، وتدحرج كرة الثلج حتى وصلت إلى الكثير من العواصم العربية. بعض الدول العربية عانت ونجت في نهاية المطاف من التمزق وبعضها وقع ضحية وفريسة له. فالسودان لم يعد سوداناً واحداً، والنظام المدني فيها سقط لصالح نظام عسكري لم يستقر حاله حتى الآن. كذلك ليبيا التي لم تعد ليبيا واحدة أيضاً ولا سورية موضع هذا المقال.
وبمراجعة حالة الدول العربية، ندرك أن قلة قليلة منها نجت بشكل كامل من ارتدادات الربيع العربي، الذي قلنا على هذه الصحفة قبل سنوات: إنه ليس ربيعاً وليس عربياً. وهذا لا يجب أن يكون موقفاً من الحاجة للتحول الديمقراطي - وهي حاجة ملحة - ولا هو انتصار للأنظمة التي يغيب عنها البعد الديمقراطي التشاركي في الحكم، ولكن ليس ضمن أجندة خارجية بل ضمن حاجة داخلية.
ومع هذا ستعود سورية إلى الجامعة العربية، وسيتم تبريد التوتر مع إيران بشكل كامل ومع تركيا كذلك، وحتى بعض المصالحات العربية الداخلية ستتم، وسيظل أصعبها بالضرورة الجزائرية المغربية التي لا بد من جهد حقيقي من أجل إزالتها بشكل كامل، ومع هذا ستظل إسرائيل صديقة البعض واستثمارات البعض فيها تتصاعد والتبادل التجاري والاقتصادي وربما شراء السلاح يتزايد. إنه زمن التعايش والتناقض دون الحاجة للصراع.
هذه ليست حالة عربية جديدة؛ لأنه ليس لدى العرب ما يقدمونه بعد مبادرة بيروت التي رهنت التطبيع واشترطته بالسلام، فغاب السلام وجاء التطبيع، وعليه فإن تسليم الجميع بحق الآخرين بفعل ما يريدون، وعدم تأثير أي علاقة على أي علاقة أخرى، سمة الإقليم القادمة، وهي سمة كفيلة بأن تسود لفترة من الزمن حيث لا ضرر ولا ضرار، ولا نفع ولا منفعة، ولا تزر وازرة وزر أخرى.