ليس محظورا ان يكون هناك اختلاف داخل مجلس الوزراء بين رئيس المجلس و بين وزير او أكثر ، و لكن بعد ان يتم تدارس أوجه الخلاف ، محظور ان يقرر رئيس الوزراء و يمتنع الوزير عن التنفيذ ، او أن يصدر الوزير قرارا مغايرا لقرار الرئيس .
هذا ما حصل آخر أسبوعين في مجلس وزرائنا ، إذ تقرر صرف مرتب شهر نيسان الجاري قبل حلول عيد الفطر ، لكن وزير المالية ، رفض ذلك ، معللا ان الموظفين ليسوا بحاجة الى الراتب ، كونهم تقاضوا راتب اذار في العشرة الأوائل من نيسان . أخرج هذا عن صمته احد مستشاري رئيس االوزراء ، واصفا الامر بأنه "وصل الى درجة العيب بل والمعيب وضربة مقتل لحركة فتح".
لم يشرح المستشار عبد الاله الاتيرة لماذا كان الامر عيبا و معيبا ، الا من باب ان الوزير لم ينصع لتنفيذ قرار رئيس الوزراء ، و هو خروج عن إجراءات بروتوكولية غير معتادة ، ففي حكومة نتنياهو الأخيرة ، ذهب نتنياهو الى فصل احد اهم وزرائه المقربين و هو وزير الدفاع لانه قال شيئا مغايرا ، ووضع الحكومة برمتها إزاء قرار الفصل في مهب الريح ، و المجتمع برمته عند حافة الانهيار ، والهستدروت الذي يمثل كافة النقابات وجها لوجه امام الحكومة . لم تصل المسألة في الحكومة الفلسطينية الى هذا الحد ، و لن تصل ، لطالما انها ليست منتخبة ، و لا تخضع لمساءلات و محاسبات من قبل "كنيست" منتخبة ، فتتم المعالجات بالتالي وفق مقاربات "لا يموت الذئب و لا تفنى الغنم" ، حيث رشح انه سيتم صرف 30% من الراتب .
لكن الأهم من مناكفات الحكومات العربية عموما ، التي تنتهي وفق سياسة "الذئب و الغنم" ، هو تصريح الوزير من ان موظفي الدولة ليسوا بحاجة الى المرتب ، فمن اين خرج الوزير بهذا الاستخلاص ، و كيف عرف انهم فعليا ليسوا بحاجة الى راتبهم ، الموظفون ليسوا سواسية كأسنان المشط ، هناك موظفون لديهم عائلات كبيرة و عائلات موسعة و ديون واستحقاقات بنكية و أبناء يدرسون في الجامعات .... الخ . لكن الأخطر من ذلك في تصريح الوزير ، هو مقدمة خاطئة لا أعرف شخصيا كيف تولدت و تنامت حتى أصبحت مكونا من مكونات المجتمع والحكومة و الوزارة ، مفادها ان راتب الموظف ، اقرب الى الهبة او حتى المنّة ، تمن به وزارة المالية عليه كل آخر شهر مرة ، و لهذا اسرع ما تقوم به لحل اشكالاتها هو هذا الراتب ، فتصرفه متأخرا عن موعده حينا ، و لا تصرفه كاملا أحيانا .
بمعنى آخر انها لا تتعاطى معه على انه حق للموظف يتقاضاه مقابل خدماته التي يقدمها للدولة و للحكومة عن طيب خاطر ، ما يجب على الدولة ان تفعله مع الموظف و راتبه . جزء من استفحال إضراب المعلمين ، الذي دخل شهره الثالث ، قائم على هذه القراءة الخاطئة ، فلا وزير المالية ، و لا وزير التعليم ، و لا حتى رئيس الحكومة ، او حتى الرئيس نفسه ، يدفعون من جيوبهم للمعلمين ، فلماذا لا تقر موازنة دقيقة لهم يتم الالتزام بها طوال العام .