عاش المشهد الفلسطيني في الأيام الأخيرة، حركة "تنجيم سياسي" غريبة، بعدما أعلن عن قيام الرئيس محمود عباس وفريقه الخاص، بزيارة العربية السعودية، بالتزامن مع سماح السعودية لقيادة حماس (غاب العاروري عنها لسبب في نفسهم) القيام بـ "عمرة دينية" الى مكة، اعتقادا انها محاولة "غير رسمية" من الأشقاء في الرياض، لكسر حالة الانقطاع التواصلي بين فتح وحماس، في توقيت يشهد "حركية سعودية" مميزة لما بدا ينشتر استخداما لـ "تصفير المشاكل".
ربما، تمنى الأشقاء في السعودية، ان يحدث عملية اختراق بين طرفي الانقسام الفلسطيني (بعيدا عن نسبة المسؤولية لكل منهما)، بما يعزز اندفاعتهم الأخيرة الانفتاحية، وخاصة ان لديهم ورقة تصالحية مضافة لمجمل أوراق الكلام معروفة باسم "وثيقة مكة"، لكنها ذهبت كفقاعة صابون، لأن الأصل الانقسامي لم يكن يوما قرارا ذاتيا، بل صناعة غير فلسطينية نفذتها أدوات محلية.
وحسنا، ان الإعلام السعودي، لم يتحدث مطلقا عن وجود وفد حماس، أو محاولة استخدامية للترويج لدور ما، ما يكشف "نضجا سياسيا" خاصا، بعدم الذهاب بعيدا في التوقعات، بل أن الإعلام تجاهل كليا وصول الوفد، وكل ما تم نشره جاء عبر "مجموعات حمساوية خاصة" استفاد منها الإعلام العبري، لا أكثر.
قيام البعض لتعميم "نميمة اللقاء الممكن" بين الرئيس عباس وقيادة حماس، ترافق مع ترويج إمكانية عودة علاقات الحركة الإخوانجية مع العربية السعودية، بعد انهاء وجودها نتاج التغيير السياسي في المملكة، مع انتهاء وجود جماعة "النهي عن المعروف" المرتبطة فكريا بالجماعة الأم، فيما حاولت أطراف عبرية أن تنفخ في سور "العمرة" الحمساوية، كرسالة ترهيب للسلطة وحركة فتح، لغاية ابتزاز سياسي واضحة.
بالتأكيد، حركة حماس كانت هي بحاجة الى تلك "الزيارة"، أي كان شكلها، وقامت بتسريب فيديو العمرة لتأكيد الذهاب بعدما انتشر خبر عن وقف المنحة الأميرية عنهم، ولكن المحاولة الاستغلالية تلقت "صفعة عباسية ناعمة"، بقطع الطريق على أي ترتيب للقاء ما، بما فيه "المخابراتي"، رغم انه كان بالإمكان، وخاصة ان قطر سبق لها ان شهدت مثل تلك اللقاءات الخاصة، ما يشير الى ابتعاد مسافة طريق "العمرة الفلسطينية – الفلسطينية".
ربما، أصاب الرئيس محمود عباس بعدم لقاء وفد حماس في جدة، من حيث ما قد يترتب عليه من انعكاسات "سلبية" مع دول عربية، خاصة مصر والأردن، والتي لها تأثير خاص ومميز في الشأن الفلسطيني العام، وكذا الجزائر أخر من فتح الباب دون نتاج، ولذا جاء "الهروب الناعم" خيارا لا خيار غيره، ودون أن يكون مرتبطا بما بعده، وليس لقاء صورة يقدم خدمة إعلامية لطرف يبحث عن ترويج إعلاني خارج المصلحة الوطنية.
ولكن، لا يجب الاكتفاء بما حدث من قطع الطريق على "صورة إعلانية" ترويجية، رغم أهميتها، ولكن ربما يكون الحدث بذاته فرصة لإعادة التفكير جذريا نحو التعامل مع الملف الانقسامي، الذي بات يمثل "ثغرة عبور" للمشروع التهويدي ليس في أرض فلسطين وحدها، بل الى المنطقة العربية بكاملها.
بداية، يجب تجاهل كل الأوراق التي تم توقيعها سابقا، وكأنها لم تكن، والتعامل من نقطة "صفر سياسي"، للتفكير بعيدا عن السائد، بما يشمل كل الأطراف فلسطينيا ورعاة، وذلك ينطلق من:
*عودة ملف انهاء الانقسام الفلسطيني الى إطار عربي مصغر، وليس طرف واحد ينتقل من عاصمة لأخرى، ينتهي بتعزيز العدائية وليس حصارها، فريق حاضنته الجامعة العربية مع ممثلي مصر، الأردن، الجزائر، السعودية، الإمارات وقطر، فريق عربي موحد مهامه:
- مراجعة الاتفاقات الموقعة كافة، والتدقيق في العقبات التي أدت لعدم التنفيذ، ثم تبدأ عملية صياغة مشروع عربي لإنهاء الانقسام، يقدم للمكونات الفلسطينية، كأساس للحوار.
- الانطلاق من قاعدة أن البحث سيكون لـ "مؤسسات دولة فلسطين"، وليس مؤسسات السلطة الفلسطينية، ما ينهي عمليا المرحلة الانتقالية مع دولة العدو من جهة، ويعزز مكانة التمثيل الوطني الفلسطيني العام.
- الاتفاق على تشكيل مؤسسات دولة فلسطين توافقيا الى حين القدرة على اجراء انتخابات عامة لمواطنيها، برلمان مؤقت، يملك صلاحيات تشكيل حكومة فلسطين، وانتخاب رئيس دولة فلسطين، ويضع دستور جديد منطلق من القانون الأساسي، مضافا له تعريف الدولة بأنها لأبناء الشعب الفلسطيني، وليس فقط سلطة سكان الضفة والقطاع والقدس المحتلة.
- وضع مشروع تشكيل قوات فلسطين الأمنية، بكل مسمياتها، بديلا للأجنحة المسلحة في قطاع غزة تحديدا، مرتبط بتشكيل جبهة وطنية لمواجهة المشروع الاحتلالي في الضفة والقدس.
- العمل على تحديد العلاقة بين دولة فلسطين ومنظمة التحرير، المهام، الدور والمؤسسات، والبعد التمثيلي، بالتوافق مع دستور الدولة، وحسب تعريفها بصفتها دولة لكل أبناء الشعب الفلسطيني.
- بحث تغيير مهام منظمة التحرير ودورها، مع زيادة مسؤوليتها بين مخيمات اللجوء الفلسطيني، دون مساس بالتمثيل، بل حماية الحقوق وتقديم الخدمات الى حين حل قضية العودة وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
* وضع آلية عربية ملزمة لما بعد توقيع الاتفاقات، ليس مراقبة فحسب بل مشاركة في تنفيذ بعض بنوده، خاصة ما يتعلق ببناء المؤسسة الأمنية، والتي قد تكون هي "أم العقد" لاعتبارات متعددة.
* ربط تقديم الدعم العربي بالتعامل الإيجابي مع تلك الاتفاقات مقابل محاسبة من يعرقل أو يعطل أو يتراجع عنها.
عناصر ليس مكتملة الأركان، لكنها ضرورية لبناء "هيكل وطني فلسطيني" جديد، بديلا عن القديم وعن الانقسامي القائم، لو كان الأمر لا زال مطلبا عروبيا وفلسطينيا.
ملاحظة: دولة الكيان وحكومتها برئاسة الفاشي نتنياهو مصابة بدوار سياسي بعد صفعة "اتفاق بكين" بين السعودية وإيران...ما يكشف قيمة الحدث وأهميته الكبيرة..كل توافق ضد العدو القومي نصر لفلسطين شو ما كان يكون!
تنويه خاص: فرح الفلسطيني مقاومة..سلاح لا بد منه ضد الغازي والمحتل، فرح تأكيدي رغم كل ما حولنا...مع أطيب التماني بسعادة قادمة.