يرحل شهر رمضان حاملا معه كل اثاره الايجابية وانعكاسه على مجمل تفاصيل الحياة في قطاع غزة بعد ان فرض واقعا فريدا من نوعه بتعزيز السلام الداخلي بين المؤمنين وربهم وتوثيق كل اللحظات الروحانية بقالب فريد ومميز.
يرحل شهر رمضان لاول مرة منذ سنوات طويلة في قطاع غزة دون مشاكل حقيقية تذكر ودون مواجهات باستثناء جولة قصيرة جدا من الصواريخ والقصف الاسرائيلي الذي يكاد لا يذكر مقارنة مع سنوات احتدم فيها التوتر وبلغ الصراع اشده فارتقى العشرات والمئات من الشهداء واصيب الالاف بجروح متفاوتة ودخل القطاع في دوامة انسانية اثقلت كاهل المواطنين واغرقتهم في وحل الفقر نظرا لتضرر البنى التحتية وانقطاع الموارد الرئيسية وتعطل الكهرباء وانقطاع الماء واختصار فرص العمل في الداخل على اعداد معدودة وقليلة جدا …
يرمز الاختلاف هذه المرة الى امور اكثر عمقا وجدية بحيث ساهم الهدوء النسبي بصنع وطن جميل في غزة بالاعتماد على الحراك الروحاني نحو المساجد وسط اجواء من الاستقرار فتعاظمت قوى المواطنين في غزة نحو هدف وحيد في الشهر الفضيل تجسد باحياء كافة الشعائر بالاستناد على الشرع واداء الصلوات وخصوصا الفجر والتراويح الامر الذي ساهم بتعزيز السلام الداخلي للمواطن الذي توجه خلال شهر رمضان الى المساجد مطمئنا ان الصلوات التي يؤديها ستكون دليلا ونبراسا لرسم طريق المستقبل لصالح المواطن الغزي …
ولعل انماط سلوك المواطنين في غزة تعتمد على هذه الخاصية فيتعلقون بحبال الامل متمنين ان تجلب لهم السعادة بعد ويلات الحروب وفي ضوء استمرار الحصار على كافة انحاء القطاع حيث يرنو المواطن الغزي الى حياة مطمئنة ومنظمة يبني عليها لاستيعاب القدرات نحو عمل مضن ومثمر وقوى انتاجية ليس خلال شهر رمضان المبارك فحسب وانما على طول المدى ..
في الشهر الفضيل تسامت الروح النفسية والعقلية على كل شيئ وانزوت المصالح الفردية امام الروح الاخوية الربانية التي تعتبر جوهر وفكر وعقل وباطن المواطن الغزي فساد الانسجام ليبدع مواطنو غزة في رسم صورة رمضان بابهى المشاهد …
تبقى غزة في دائرة المسؤولية الاجتماعية وضرورة دعم القطاعات الفقيرة وخصوصا العائلات المستورة وان لا يقتصر ذلك على مساعدات رمضان فقط بل في الحياة اليومية العادية لنرفع من معنويات المواطنين ونلبي احتياجاتهم وهذا يعتبر من اهم عوامل الهدوء والاستقرار التي تعزز في نفوس المواطنين السكينة والسلم الداخلي ..
يأمل المواطن الغزي ان تعزز مسلكيات الشهر الفضيل اللحظات القادمة للمستقبل نحو صناعة حياة افضل فيها تغيير جذري وتغلب على التفكك والانقسام وتوجه لانتهاء دائرة العنف والصراع التي يتسبب بها الاحتلال الاسرائيلي وحصاره …
الهدوء الرمضاني سمح هذه المرة للمواطنين بالتقاط انفاسهم وبدلا من الهروب من الحروب واثار الدمار كان رمضان فرصة لتستعيد الانسانية البسيطة في قطاع غزة عنفوانها لتمارس حياتها بالحفاظ على نفس القيم والعادات والتقاليد نحو عيد سعيد يرتدي فيه اطفال غزة لباسهم الجديد ليحلقوا في فضاء واسع من الامل ويحتفلوا ببهجة وسعادة غامرة ..
استثمر مواطنو غزة شهرا نوعيا صنعوا فيه طاقة مضاعفة في اعداد الماكولات والمشروبات انطلاقا من عادات شهر رمضان فتحققت عوامل الصحة والعافية التي ساهمت لاداء كافة الطقوس والشعائر في اوقاتها لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا …هل يستمر هذا السلام الداخلي ويتغلغل الى نفوس كافة المواطنين ليستمروا في حياة هادئة وسعيدة ( رغم الفقر والصعوبات) ام ان اسرائيل التي لا يروق لها رؤية الشعب الفلسطيني مطمئنا هادئا ستقلب هذا السلام والهدوء الى حرب جديدة او فاصل اخر من التوتر يبقي المواطن الغزي في دائرة الخطر والقلق ؟