انفجرت الأحداث بشكل درامي بين رفيقي الحرب في دارفور، قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، بعد أن خاض الرجلان معا الحرب في دارفور، في ما اعتُبر تمرّدا على القوات الحكومية، عندما زج الرئيس السابق عمر البشير الجيشَ في دارفور، ورفده بقوات شبه عسكرية أُريد منها أن تكون سندا للقوات النظامية، جرى تدريبها على حرب الشوارع وسلحت بالمعدّات الخفيفة، لتكون سهلة الحركة وقادرة على الانتقال السريع والقتال عن قرب، بما يتناسب مع المواجهات في دارفور على زمن البشير. تزامل الرجلان في مواجهة البشير عندما امتلأت الشوارع في الخرطوم معارِضةً حكمَ البشير. ورفضا معا القتال ضد متظاهري شوارع المدن السودانية في العام 2019. وبدلا من ذلك، جرى التنسيق بينهما برعاية بعض الدول العربية، وقبضا على البشير وأمسكا السلطة منذ ذلك الوقت، حيث جلس البرهان على كرسي رئيس مجلس السيادة الذي حكم السودان بعد التخلص من البشير. ولكن الضغط الإقليمي والدولي أجبر البرهان على تطعيم المجلس ببعض المدنيين، أبرزهم عبد الله حمدوك الذي عين رئيسا للوزراء بوصفه وجها مدنيا للحكم، وجرى الاتفاق بين عسكريي المجلس ومدنييه على أن يترك العسكريون السلطة بعد انتخابات تجرى في يوليو/ تموز من العام 2023. ولكن في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021، انقضّ قائد الجيش على السلطة، وأودع جميع مدنيي المجلس في السجن، بمن فيهم حمدوك نفسه. كان محمد حمدان دقلو، خلال ذلك الوقت، على مقربةٍ من الأحداث، ويقف على بعد خطوةٍ واحدةٍ خلف البرهان، داعما لما يقوم به من تحرّكات، وتولت قوات الدعم السريع حينها عملية احتجاز حمدوك.
كانت مصالح الرجلين ووحدتيهما العسكريتين مصانةً إلى حد كبير مع هامش استقلالي واسع، حيث يتداخل الجيش بشكلٍ لافت في عمليات اقتصادية مباشرة على مستوى الدولة، ولديه دخل خاص يضمن دفع رواتب منتسبيه من دون الرجوع إلى مؤسّسات الدولة، بالتحالف مع رجال أعمال محليين يعملون على طول ضفاف النيل، ويشكّلون مع الجيش تحالفا عسكريا واقتصاديا قويا، فيما يتجوّل دقلو بحريةٍ في ميدان استخراج الذهب وتعدينه وتربية الإبل، ومن خلفه مليشيا قوات الدعم السريع، ولكن الاستحقاق السياسي الملحّ والقوى المدنية الدؤوبة أجبرت الرجلين على الجلوس إلى مائدة واحدة للتفاوض مع المدنيين، وأصبح الحديث عن توحيد الجيش حقيقةً لا مهرب منها، بما يعني ذوبان قوات الدعم السريع بقيادة دقلو في كيان الجيش السوداني الوطني بقيادة البرهان. وكلما اقترب الموعد، تلاشت سيطرة أحد الجنراليْن لصالح الآخر، الأمر الذي أجبر رفيقي القتال في دارفور وزميلي السلاح على المواجهة بالسلاح.
للمشهد العسكري السوداني الحالي خلفية إقليمية ودولية، فقد كانت روسيا على موعدٍ قدّمه لها البشير ببناء قاعدة عسكرية بحرية في بورتسودان، وهو الوعد الذي لم يتحقّق بعد إطاحة البشير. ولعل هذا الوعد قد عجّل بنهايته بشكل سريع، وبعد إزاحة روسيا عن المشهد، جاء دور إسرائيل لتجد طريقةً توقِّع بها اتفاق سلام مع السودان، وتلحقه بالمعاهدات الإبراهيمية التي وقعت مع بعض دول الخليج والمغرب. ولم تتأخّر الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية باللحاق في الراغبين بحصّة سودانية. وكان على من يريد حصّته الاتصال بالقائديْن العسكريين أو أحدهما. وعندما طفت على السطح الحاجة إلى قيادةٍ واحدةٍ، انفجر القتال بسرعة، وتحوّلت العاصمة إلى مجموعة من المتاريس، وتحول السودان إلى 45 مليون مترقب ومنتظر أن ينجو من الرصاصة التالية. قد يحظى القتال ببضع الهدنات التي يقطعها هذا الطرف أو ذاك. ولكن للأسف، من غير المتوقع أن ينتهي القتال قريبا قبل الوصول إلى مرحلة حكم عسكري جديد، يكون على رأسه من يخرج منتصرا من هذه المواجهة.