تحدث قائد الجيش السودانى، الفريق البرهان، أمس الأول، وقال إن المعارك فُرضت عليه، وحمّل قائد الدعم السريع مسؤولية إشعالها واستمرارها، كما وعد الشعب بسرعه إنهائها دون أن يحدد موعدًا لذلك. أما قائد قوات الدعم السريع فقد أعلن أنه لن ينهى القتال إلا بالقبض على البرهان وتسليمه للعدالة، بما يعنى أن الطرفين مستمران فى المواجهات المسلحة بغرض إلحاق هزيمة بالطرف الآخر.
واللافت أن الخطاب الدعائى لكل طرف قام «بشيطنة» الطرف الآخر، فوصف الجيش الدعم السريع بـ«النهابة» ومنفذين لأجندة خارجية وأنهم ميليشيا متمردة يجب القضاء عليها فى حين اتهم قادة الدعم السريع الجيش بأنه يضم إسلاميين متطرفين، وأنه لا يرغب فى بناء دولة مدنية.
ورغم إعلان هدنة بين الطرفين المتحاربين لمدة ٧٢ ساعة أثناء عيد الفطر، إلا أنهما لم يلتزما بها بشكل كامل، فقد عرفت الخرطوم وكثير من المدن هدوءًا حذرًا قطعته اشتباكات عنيفة خلّفت مزيدًا من المصابين والقتلى.
والحقيقة أن هذا الخطاب الذى يتبناه كل طرف، وما يجرى على الأرض من مواجهات عنيفة يجعل السيناريوهات المقبلة كلها صعبة، حتى لو اختلفت فى درجة سوئها، وحتى لو كان بعضها كارثيًا فى حال حدوثه لا قدر الله.
ويمكن القول إن هناك سيناريوهين أمام السودان فى الفترة المقبلة: أولهما يتمثل فى استمرار المعارك لأسابيع محدودة تنتهى بسيطرة الجيش على الخرطوم والمدن الكبرى (وهناك مؤشرات أولية على ذلك)، وانتقال قوات الدعم السريع إلى دارفور وخوض حرب عصابات فى مواجهه الجيش لاستنزافه وليس هزيمته.
هذا السيناريو نراه الأقرب للتحقيق، ولتلافى سلبياته المتمثلة فى انتقال الدعم السريع من المدن إلى الأطراف واستمرار حالة التمرد وحرب العصابات يجب أن يتدخل المجتمع الدولى لوقف إطلاق النار والعمل على إيجاد مخرج سياسى للأزمة.
أما السيناريو الثانى فهو الحرب الطويلة التى لا يحسم فيها طرف المعارك لصالحه، وهنا كل الأخطار ستكون حاضرة وستتمثل فى سقوط آلاف الضحايا وتدمير شبه كامل للبنية التحتية، وخطر تفكك السودان ليصبح نموذجًا لدولة فاشلة، ويدخل فى هذا النمط من الصراعات المنسية التى يهتم فيها العالم فقط بنقل رعاياه ومنع تدفق اللاجئين وجماعات التطرف من السودان إلى باقى دول العالم، خاصة أوروبا والولايات المتحدة.
المطلوب أن يعى المجتمع الدولى خطر انهيار السودان، وأن يسعى الجميع لوقف إطلاق النار، والعمل على مواجهه سلبيات السيناريو الأول، من أجل الحفاظ على ما تبقى من الدولة السودانية بوقف القتال فى أقرب فرصة، حتى لو لم ينتصر الجيش بشكل حاسم فإن من المهم العمل على إيجاد مخرج سياسى جراحى يراهن على رجل جسر بين الأطراف المتصارعة، ويوقف الصراع المسلح، ويؤسس بشكل تدريجى لمنظومة حكم جديدة لا تعيد تكرار سلبيات المرحلة الانتقالية.