تواجه المصارف التقليدية تحديات جديدة في ظل استمرار ارتفاع أسعار الفائدة الذي تشهده هذه الفترة في إطار مواجهة التضخم العالمي وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية، و يقوم العملاء بنقل أموالهم إلى بدائل أخرى توفر عوائد أعلى الامر الذي ادى الى عدم استقرار، وفي حالات اخرى افلاس، بنوك كُبرى في الولايات المتحدة واوروبا. وتأتي آخر التحديات للبنوك التقليدية من شركة "آبل" التي تعاونت مع "جولدمان ساكس" لإطلاق حساب توفير جديد للعملاء في الولايات المتحدة.
يتميز حساب التوفير الذي تقدمه "آبل" بمعدل فائدة ريادي يصل إلى 4.15%، متفوقاً بسهولة على معدل الحسابات التوفيرية للبنوك الأمريكية العادية البالغ 0.37%. ويفوق هذا المعدل أيضاً منافسيها مثل "أميريكان إكسبريس" الذي يقدم 3.75%، وحتى حساب التوفير المستقل لدى "جولدمان ساكس" نفسه والذي يسوّق تحت اسم العلامة "ماركوس" ويقدم معدل فائدة بنسبة 3.9%.
وتُعد "آبل" مورِّد خدمات مالية بارزة وليست بنكًا، إذ دخلت عالم الخدمات المالية بإطلاق "بطاقة آبل الائتمانية" قبل أربع سنوات، وايضاً بالتعاون مع "جولدمان ساكس". وعلى طريقة "آبل" الابتكارية المعتادة، طورت الشركة منتجات مالية فريدة، بما في ذلك برنامج "آبل باي: الشراء الآن والدفع لاحقًا.
ويتميز هذا المنتج وغيره من منتجات "ابل" الحالية والمستقبلية بنظام بيئي مغلق لمئات ملايين مستخدمي "آيفون"، مما يعزل "آبل" عن المنافسة ويجعلها خيارًا جذابًا للعملاء الاكثر اريحية بالتعامل مع عالم التكنولوجيا.
وللحصول على حساب ودائع احتياطية من آبل بأعلى معدل فائدة، يجب عليك ان تمتلك بطاقة ائتمان آبل، والتي يتطلب امتلاكها، امتلاك هاتف آيفون من آبل ايضاً. والحساب الذي لا يفرض رسومًا ولا يتطلب إيداعًا بحد ادنى يزيد من الميزات من منظور شركة آبل وهي أن كل مُنتج في الشبكة يعني أن العملاء محصورون داخل نظام آبل. وهذا يُصعّب الانتقال إلى منتج آخر غير منتجات شركة آبل الالكترونية. والدائرة تكتمل حين يستخدم عملاء ابل للاجهزة الالكترونية منتجاتها المالية، فإنه من السهل جداً ان تكون آبل هي أول محطة لهم عند البحث عن قرض في المستقبل.
إذا نما هذه الجزء، اي المنتجات المالية المتشابكة مع المنتجات من الاجهزة الالكترونية من شركة آبل، فإن المفوضية التجارية الفيدرالية الأمريكية قد تبدأ في طرح أسئلة حول قضايا الاحتكار. ولكننا بعيدون كثيرًا عن ذلك الآن.
وأكبر ميزة لدى آبل على البنوك التقليدية هي علامتها التجارية. فالعملاء يحبون منتجات آبل ويتفاعلون معها طوال اليوم. وذلك على عكس عدد المرات التي يتفاعل فيها العملاء مع بنوكهم في اليوم. كما يتم إدراج شركة آبل في العديد من قوائم الشركات الأكثر إعجابًا، على عكس العديد من البنوك الكبيرة. ضف الى ذلك ان آبل تتمتع بميزة بيانات مستخدمي iPhone التي يمكن توظيفها في تقييم مخاطر الائتمان للفرد ولاغراض تسويقية لمنتجاتها المالية.
لقد خططت شركة أبل في العام الماضي للتوسع في المجال المالي، وهذا واضح من خلال استحواذها على شركة Credit Kudos الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في المملكة المتحدة، وهي شركة تقييم الائتمان البديل.
وميزة اخرى لشركة ابل تجعلها سبب قلق اضافي للبنوك التقليدية وهي انها تتمتع بوضع مالي ممتاز يُمكنها من حل بعض مشاكل الخدمات المصرفية التقليدية. فمثلاً برنامج "اشترِ الآن وادفع لاحقًا"، الذي تموِّل أبل قروضه لصالح زبائنها من صافي أصولها الكبيرة التي بلغت 165 مليار دولار في الربع الأول من عام 2023، بإجمالي دين قدره 111 مليار دولار. وهذا يختلف كثيرًا عن البنوك التي تعمل عادة بنسبة 90% أو أكثر من المال المُستلف. وبذلك تقلل أبل من عُرضتها للمخاطر بشكل كبير، بالمقارنة مع البنوك.
فلا شك ان البنوك التقليدية وحتى شركات الخدمات المالية قلقة من المنافسة التي تفرضها أبل. فهي شركة ضخمة تتفوق على أكبر البنوك، ولم تخفِ طموحاتها في المجال المالي منذ عام 2016.