لحظة الحقيقة تقترب بين السعودية وإيران!

حجم الخط

بقلم خيرالله خيرالله

 

 

 

قبل أقل من شهرين، صدر البيان السعودي – الصيني – الإيراني. حدّد البيان مدة شهرين لعودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران. ستعود العلاقات ولكن هل من دليل على تنفيذ جوهر ما ورد في البيان الذي يعني طيّ صفحة الماضي المؤلم بين السعودية و»الجمهورية الإسلامية» في إيران؟
لعلّ أهمّ ما في البيان الثلاثي الكلام الوارد فيه عن تأكيد السعوديّة وإيران «احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية». ليس واضحا التفسير الإيراني لهذه العبارة وما إذا كانت تقتصر على التدخل الإيراني في شؤون المملكة، عن طريق اليمن، أم أن الأمر يتعلّق بسلوك «الجمهورية الإسلامية» في مجمله، بما في ذلك سلوك ميليشياتها المذهبية المنتشرة في المنطقة.
اقتربت ساعة الامتحان، وهو امتحان للصين ولـ»الجمهوريّة الإسلاميّة» في آن… ولحظة الحقيقة. هل تغيّرت إيران أم لا؟ هل تستطيع الصين تغيير السلوك الإيراني؟
من هذا المنطلق، بدا واضحا أنّه كانت توجد حاجة إلى مدة شهرين لامتحان إيران قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران. كان سلوك إيران خارج حدودها، بالفعل، موضع مراقبة دقيقة في هذين الشهرين. لا يزال على «الجمهورية الإسلامية» الإجابة عن سؤال هل هي دولة طبيعية أم لا؟
من المفيد العودة إلى السياق الذي وردت فيه عبارة «احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية» لمحاولة فهم أهمّية هذه العبارة ولماذا يمكن وصفها بالعبارة المفتاح فيما يخصّ مستقبل العلاقة السعودية – الإيرانية وبالتالي الخليجية – الإيرانية.
جاء في البيان: «تعلن الدول الثلاث أنه تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ويتضمن تأكيدهما احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، كما اتفقا على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 22/ 1/ 1422هـ، الموافق 17/ 4/ 2001م (…)».
حسنا، عقد الاجتماع بين وزيري الخارجية السعودي والإيراني تماما كما ورد في البيان الثلاثي. لكنّ ما يدعو إلى الحذر أنّ إيران لم تلتزم يوما باتفاقية التعاون الأمني مع السعودية، وهي اتفاقية موقعة في العام 2001، أي قبل اثنين وعشرين عاما. لم تكن العلاقات الدبلوماسيّة مقطوعة بين البلدين وقتذاك. هل تغيّر شيء ما، بعد اجتماع الوزيرين، حتّى يصبح في الإمكان التفاؤل بتغيير إيراني في العمق في أيامنا هذه؟
الأكيد أنّ ثمّة اهتماما سعوديا خاصا باليمن وما يدور فيه، بل يمكن الحديث عن تركيز سعودي على اليمن وعلى الكيان الذي أقامه الحوثيون (جماعة أنصار الله) في الشمال اليمني منذ 21 أيلول 2014. ليس معروفا هل يشمل الاتفاق السعودي – الإيراني مستقبل الكيان الحوثي الذي لا يشبه سوى الكيان الذي أقامته «حماس» في قطاع غزة منذ منتصف العام 2007… أم الأمر يتعلّق بمجرد هدنة؟
يصعب الوثوق بالحوثيين الذين لديهم أحلامهم اليمنية التي ليست سوى أحلام يقظة. لكن، هل اقتنعت إيران أخيرا بأنّ الاستثمار في الجماعة الحوثية استثمار لا أفق له، تماما مثل الاستثمار في «حزب الله» في لبنان والميليشيات المتنوعة التي ترعاها في سورية والعراق؟ أوصل «حزب الله» ايران إلى البحر المتوسط. ماذا بعد ذلك؟ ما الثمن الذي دفعه لبنان واللبنانيون لقاء ذلك؟
كان لافتا لدى توقيع البيان الثلاثي المشترك في بكين وجود وزير الخارجيّة الإيراني أمير حسين عبد اللهيان في دمشق. لا يمكن أن يكون ذلك مجرّد صدفة. يعني وجوده تأكيد «الجمهورية الإسلامية»، لكلّ من يعنيه الأمر، أن سورية مستعمرة إيرانية لا يمكن التخلي عنها. مثل هذا التوجه الإيراني لا يبشر بالخير في منطقة تحتاج أوّل ما تحتاج إلى وضع حدّ لمشروع توسعي لم يجلب سوى البؤس والدمار حيثما حلّ.
من المنظور الدولي، لا شكّ أنّ البيان الثلاثي انتصار صيني. استطاعت الصين تحقيق ما عجزت الولايات المتحدة عن تحقيقه. أظهرت الصين أنّها تمتلك علاقات ومصالح مع كلّ من المملكة العربية السعودية و»الجمهورية الإسلامية» في آن. لكنّه يفترض أن ترافق ما يمكن وصفه بالانتصار الصيني بعض التحفظات، خصوصا أنّه يأتي في وقت هناك تحسّن واضح في العلاقات الأميركيّة – السعودية وتغيير في موقف إدارة جو بايدن من شخص وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
بصرف النظر عن إثبات الصين قدرتها على التقريب بين السعودية وإيران، يبقى الأهمّ. أي القدرة لدى جينبينغ على تدجين إيران وإقناعها بلعب دور إيجابي في المنطقة بدل متابعة الرهان على صواريخها الباليستية وطائراتها المسيّرة وميليشياتها المذهبيّة. هل يكفي حصول عملية تبادل للأسرى في اليمن كي يصبح ممكنا الحديث عن اختراق في اتجاه تسوية يمنية؟
لعبت الصين، من خلال البيان الثلاثي، دورا لم يسبق لها أن لعبته على الصعيد العالمي. هذا لا يعني زوال القضايا الشائكة التي لا تزال عالقة بين السعوديّة والجانب الإيراني. في مقدّم هذه القضايا الشائكة التفسير الواضح لعبارة «الاحترام الواضح لسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخليّة».
بين توقيع إيران لبيان ترد فيه هذه العبارة والتزامها بالفعل بمضامين عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى هوة كبيرة… ليس معروفا هل تستطيع الصين ردمها!
سيكون ردم الهوة امتحانا للصين أكثر مما هو امتحان لإيران حيث نظام معروفة طبيعته. سيكشف ذلك ما إذا كان الرئيس شي جينبينغ في وضع القادر على لعب دور على الصعيد الدولي، وأن يكون بالفعل وسيطا في حرب أوكرانيا على سبيل المثال وليس مجرد مستفيد من المأزق الذي وضع فيه فلاديمير بوتين نفسه منذ ما يزيد على سنة وشهرين عندما أقدم على مغامرته الأوكرانية.