مخيم عقبة جبر .. الشهيد التاسع

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

 

مخيم عقبة جبر في أريحا ، واحد من تسعة عشر مخيما فلسطينيا ، ترصعت بهم الضفة الغربية منذ يوم نكبة هذا الشعب قبل خمسة و سبعبن عاما ، و التي تحتفي بها إسرائيل كعيد لاستقلالها ، تتعطل فيها الدوائر والمؤسسات ، يخرجون الى الشوارع ، يستعرضون قواتهم المسلحة بما في ذلك سلاح الجو ، و يزورون مقابر "شهدائهم" الذين صنعوا لهم هذا الاستقلال / النكبة ، لم يخرج احد من بينهم ليكتب او يصرخ او يقول : انظروا الى نكبتهم ، انظروا ماذا فعلنا بهم ، انظروا الى هذه المخيمات التي رصعنا بها بلدهم ، كما الرقع غير المتجانسة في الثوب ، حتى بدت الرقع هي الثوب والثوب هو الرقعة .

من جنين ونابلس الى الخليل وبيت لحم مرورا برام الله و أريحا ، تنتشر الرقع ، واضحة بارزة لكل ذي بصر و بصيرة ، عشرات الاف الاسر ، هربوا من المجازر والمذابح من عشرات القرى – المخيم الذي أعيش فيه "الدهيشة" لجأ الناس اليه من تسع و ثلاثين قرية - ، ابتدأنا بالخيام المقدمة من الصليب الأحمر ، ثم جاءت وكالة غوث اللاجئين الدولية ، فقدمت المساكن المتواضعة و المتداعية ، اقرب للصناديق المرصوصة بجانب بعضها بعضا ، ورغم انها أفضل بما لا يقاس مع الخيام ، الا ان الناس احتجوا على سمك السقف ، الذي كان لا يزيد عن عشرة سنتمرات ، قالت لي أمي في معرض احتجاج ابي الخوف من ان يسقط هذا السقف الركيك مع مرور الوقت على رؤوس اولاده ، قال له مسؤول الوكالة ، ان هذا التصميم مكرس لعشر سنوات ، ستكونوا خلالها قد عدتم الى مسقط رؤوسكم . كانوا يشيعون عودتهم في وقت اقرب من ذلك بكثير . 

 

"الأسبوع القادم ، الشهر القادم" ، لم يكن "العقد القادم" شعارا مطروحا على الاطلاق ، و ها هي قد مرت سبعة عقود و نصف دون ان يلوح أي بصيص أمل بهذه العودة ، حتى عندما وقعت منظمة التحرير اتفاقية أوسلو ، بطرح ملف العودة في مرحلة الحل النهائي ، كان الحديث يدور عن عودة رمزية ، لا تتجاوز خمسة الاف لاجيء كل سنة ، وعندما حسبتها أنذالك على الالة الحاسبة ، اكتشفت ان عودة اللاجئين تتطلب أكثر من مئتي سنة . لكن بعد تعثر اتقاقية السلام سمعت مسؤول كبير في السلطة الفلسطينة ينفي صحة عودة اللاجئين "لست مجنونا بالموافقة على عودة سنة ملايين لاجيء لاغراق إسرائيل بهم" ، و عندما قيل للرئيس السابق ياسر عرفات في "غزة واريحا أولا" ان اريحا مليئة بالمستوطنات ، قال : انهم سيهربوا بمجرد وصوله الى اريحا . لم يهربوا ، بل توسع استيطاتهم و مستوطناتهم و تضاعف عدد مستوطنيهم حتى وصلوا الكنيست و فازوا بأغلب مقاعدها و استولوا على الحكومة .


الشهيد الذي سقط امس في مخيم عقبة جبر جبريل اللدعة ، هو ليس التاسع كما تناقلت وسائل الاعلام ، هو التاسع خلال الأسابيع الأخيرة فقط ، لكنهم بالمئات خلال رحلة النكبة ، و هم بالآف و عشرات الالاف في باقي المخيمات ، و لن نستغرب ان يخرج علينا مستوطن وزير يدعو الى مسح مخيم عقبة جبر عن الخارطة .