الدفاع عن حرية الصحافة وحماية الصحفيين

حجم الخط

بقلم نهاد ابو غوش

 

 

 في الثالث من أيار كل عام، يحتفل مئات آلاف الصحفيين حول العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، ويأتي الاحتفال هذا العام  متزامنا مع ثلاث مناسبات مهمة تخص الصحفيين، وهي مرور ثلاثين عاما على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بتكريس هذا اليوم لحرية الصحافة، ومرور عام كامل على استشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة وأيقونة الصحافة الفلسطينية والعالمية، بالإضافة  إلى توجه أسرة الصحفيين الفلسطينيين لعقد المؤتمر العام للنقابة يومي الثالث والعشرين والرابع والعشرين من الشهر الجاري.

"حرية الصحافة" هي الشرط الأكثر ضرورة لعمل الصحافيين وقيامهم بمهنتهم، والصحافة الحرة شرط جوهري ولا غنى عنه لأي مجتمع معاصر سويّ، ومعافىً من كل مظاهر القمع الفساد والاستبداد والجهل والتعسف، وقبلها من آفة الاستعمار والاحتلال كما هي حالة شعبنا الفلسطيني الذي ما زال يعاني من نتائج النكبة التي تحل ذكراها المشؤومة في هذا الشهر أيضا. وهذه الحقيقة تذكرنا جميعا أن مسؤولية الدفاع عن حرية الصحافة ليست مهمة الصحفيين وحدهم، بل هي مهمة كل القوى والهيئات الحريصة على حقوق الإنسان ومصالح الشعب والوطن، هي مهمة كل أنصار الحرية والديمقراطية، فالصحفي لا يلتمس الأخبار ويجازف بحياته وسلامته سعيا لمآرب شخصية، بل هو يقوم بخدمة المجتمع بأسره ويوفر له المعلومات التي يحتاجها في مختلف شؤون حياة المواطنين جميعا.

وإذا كانت حرية الصحافة شرطا لازما لنجاح مهمة الصحفيين فإنها لا تكفي وحدها من دون تلبية المصالح الحياتية الملحة، الفردية والجماعية، للصحافيين مثل الأجر المناسب وشروط العمل اللائق والسلامة المهنية، والتأمينات الصحية والاجتماعية، وتأمينات البطالة والعجز والشيخوخة. والارتقاء بشأن المهنة، وتطوير القوانين الناظمة لعمل الصحافة بما في ذلك قانون نقابة الصحفيين، وحق الحصول على المعلومات، إلى تدريب الخريجين الجدد واستحداث وظائف صحفية في المؤسسات والمرافق التي تفتقر لذلك أو تحيلها إلى غير المختصين.

كانت فلسطين من أوائل البلاد العربية التي عرفت الصحافة والتنظيم النقابي للصحافة في عشرينات القرن الماضي، وكان الصحفيون من أوائل من تنبهوا للخطر الصهيوني وحذروا منه قبل غيرهم من السياسيين والوجهاء، ويمكن لمن يريد الاستزادة حول الدور الطليعي للصحافة الفلسطينية أن يتابع المواد الوثائقية المهمة التي يواصل نشرها الزميل عماد الأصفر مدير مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت مستندا إلى ارشيف الصحافة الفلسطينية في ذلك الوقت.

وتمر علينا المناسبة هذا العام وسط استمرار الانتهاكات من قبل الاحتلال أولا، وثانيا من قبل الأطراف الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة، وفي السنوات الأخيرة أضيفت لهذه الانتهاكات، ممارسات إدارات وسائل التواصل الاجتماعي واستهداف المحتوى الفلسطيني وحق الفلسطينيين في التعبير عن رأيهم، ويبدو أن هذه الإدارات ترتبط بعلاقات وثيقة بدولة الاحتلال ومؤسساتها فتعتمد معاييرها العنصرية لشيطنة النضال الفلسطيني وتجريمه. وفي الغالب يزيد عدد الانتهاكات الإسرائيلية لحرية الصحافة عن مجموع الانتهاكات في الضفة وغزة، وما يعنينا في هذا المقام، وعلى الرغم من معرفتنا بأن الانتهاكات الإسرائيلية مختلفة كميا ونوعيا عن الانتهاكات الفلسطينية، فهي الانتهاكات الجسيمة والأكثر خطورة، وتمس حق الصحفيين في الحياة قبل أن تطال حقهم في التنقل والعمل، وتشمل قتل الصحفيين والتعرض لهم بشكل مقصود كما جرى مع شيرين أبو عاقلة وغفران وراسنة ونزيه دروزة وياسر مرتجى واحمد ابو حسين وأكثر من خمسين صحفيا استشهدوا خلال العقود الأربعة الأخيرة. وشملت عمليات استهداف إسرائيل للصحفيين قصف الأبراج والمباني التي تضم مكاتب صحفية ووكالات أنباء، واستهداف القناصين للصحفيين رغم ارتدائهم الستر المميزة لهم. ومنع معظم الصحفيين من دخول القدس فضلا عن التنقل بين الضفة وغزة ووصول أماكن الأحداث. واعتقال المئات من الصحفيين حيث ما زال نحو 15 صحفيا معتقلين حتى الآن، وتحطيم كاميرات الصحفيين وأدواتهم ومعداتهم وعرباتهم، إلا أن استمرار الانتهاكات الفلسطينية بمختلف أشكالها من اعتقالات واستدعاءات وتهديدات وضرب ومنع من التغطية، والفصل من العمل وغيرها يمثل صفحة قاتمة ومعيبة في حياتنا الفلسطينية وتقع على الجميع مسؤولية طيها وإغلاقها بتجريم وتحريم اعتقال الصحفيين والتعرض لهم وتهديدهم، ومحاسبة كل من يتعدى على الحريات الصحفية مع التذكير بان هذه الحريات مكفولة ومنصوص عليها في إعلان الاستقلال والقانون الأساسي، وسبق التأكيد عليها وتكرارها من قبل أعلى المرجعيات السياسية والوطنية وبخاصة من قبل الرئيس والحكومات المتعاقبة.

ارتبطت الصحافة الفلسطينية منذ نشأتها وحتى الآن بالقضية الوطنية فكانت أهم وسائل كشف المخططات الاستعمارية والعدوانية، وأداة لصياغة وبناء الوعي الوطني، وإحدى اهم روافع الحفاظ على الهوية الوطنية، فضلا عن دورها المقدام في كشف الحقيقة وإطلاع العالم على جرائم الاحتلال، لذلك كانت الصحافة دائما مستهدفة من قبل الاستعمار والاحتلال، والمؤسف ان تتحول أيضا إلى ضحية للانقسام والانفصال والأزمات الداخلية.

في اليوم العالمي للصحافة ننحني إجلالا لشهداء الصحافة الفلسطينية ومنهم قادة ورموز الثورة الفلسطينية مثل غسان كنفاني وماجد ابو شرار وكمال ناصر وكمال عدوان ووائل زعيتر وحنا مقبل وناجي العلي وهاني جوهرية وعز الدين القلق وسعيد حمامي وعبد الوهاب الكيالي وميشيل النمري، وصولا إلى شهداء الأرض المحتلة من حسن عبد الحليم إلى شيرين وغفران وعشرات غيرهم، ولا ننسى شهداء الصحافة الأجانب من أصدقاء فلسطين الذين قدموا حياتهم من أجل أن يعرف العالم ما يجري في بلادنا ومنهم جيمس ميللر، ورفائيل تشيريللو، وفيكتور ارغوني، وسيمون كاميللي، وجودت كيليجلار، وكذلك شهداء الصحافة خارج الوطن ومنهم طارق ايوب، ومازن طميزي، مازن دعنا.

وفي هذه الذكرى نستذكر القامات الصحفية التي قدمت أجمل سنوات عمرها في خدمة الصحافة والصحفيين ومنهم النقباء المرحومون رضوان ابو عياش ونعيم الطوباسي وعبد الناصر النجار، ورؤساء المؤسسات الإعلامية الرائدة محمود أبو الزلف ومحمود يعيش والشهيد يوسف نصر.

أخيرا كل امنيات التوفيق لمؤتمر نقابة الصحفيين، مع الأمل ببناء ائتلاف وطني شعبي عريض للدفاع عن حرية الصحافة وحماية الصحافيين، فالصحافة التي نذرت نفسها لفلسطين، تستحق من شعبها الدعم والإسناد والحماية .