موت خضر عدنان، رجل "الجهاد الاسلامي" الذي مات هذا الاسبوع، بعد اضراب عن الطعام على مدى 86 يوماً، أدى الى اطلاق عشرات الصواريخ نحو إسرائيل. بعد تقويم الوضع الإسرائيلي والرد العسكري أُطلقت صواريخ اخرى من جهة غزة، لكن من المعقول الافتراض بأن هذه الجولة ايضا ستنتهي كما انتهت الجولات التي قبلها.
تغيبت كتلة "قوة يهودية"، برئاسة ايتمار بن غفير، أول من امس، عن مقر الكنيست احتجاجاً على الرد الواهن، وبشكل عجيب فإن من انضم الى انتقاد الموغ كوهن وليمور سون هار ميلخ ليسوا سوى ممثلي اليسار. "تماماً حكومة يمين نقية" قال بتهكم من رحبوا بزيارة ابو مازن لوزير الدفاع السابق، بني غانتس، "لدى بينيت ولابيد كان الحال هجومياً أكثر بكثير"، "تركتم الجنوب لمصيره" وحجج اخرى من العائلة ذاتها اطلقها بعض رجال اليسار في أعقاب إطلاق النار.
اليسار الإسرائيلي مكافح بالتأكيد، مثلما تفيد حروب إسرائيل على مدى التاريخ – ومع الف فرق، الاحتجاجات الاخيرة، التي تشعل فيها النيران على الطرقات، لا تسمح لوسائل الاعلام بان تبث حين يضرب وزير على رأسه بعلم.. وغيرها. الكفاحية ليست شيئاً سيئاً بالضرورة عند الحاجة الى الدفاع عن دولة إسرائيل. لكن من المشكوك فيه جدا أن يكون اليسار الإسرائيلي يوافق على ذلك تحت الحكومة الحالية.
هل هناك شخص ساذج بما يكفي على هذه الارض يعتقد بأنه في حملة عسكرية جدية تتضمن دخولاً برياً الى غزة (حتى وان لم يكن لغرض الاحتلال بل لصالح القضاء على "الارهاب") كانت ستستقبل بتفهم في اليسار هذه الأيام؟ هل يوجد آدمي يعتقد انه ما كانت ستُكتب مقالات تقول ان نتنياهو يخرج الى الحرب كي يحرف الانتباه العام عن "الانقلاب النظامي"؟ اذا كان ثمة مواطنون إسرائيليون يشترون بمتعة القتال الجديد لليسار فثمة ايضا من يبيع الثلج في موقف المركز التجاري في يروحام. وماذا بالنسبة لحملة "بزوغ الفجر" التي يتباهون فيها في اليسار كحملة بطولية وتأسيسية غيرت المعادلة الأمنية؟ وبالفعل، جاءت هذه الحملة بعد سقوط حكومة بينيت- لتبيد حين لم تعد مشكلة مع "الموحدة".
إن مفهوم الأمن الإسرائيلي، الذي بناه واتبعه على مدى السنين يسار بن غوريون و"مباي" تغير في أعقاب تحول 77. فالمؤسسة الأمنية واليسار الإسرائيلي ردا على التغييرات السياسية بتبني مفاهيم "احتوائية" ومتساومة، وتركا المفهوم الأمني للحسم، الردع، والاخطار. ليس صدفة ان الجيل كبير السن في "مباي" او امثالهم يصوتون اليوم لغانتس الذي يعتبر – وليس عن حق – صقراً أمنياً، وليس لميخائيلي التي تعتبر مساومة في المجالات الأمنية.
ولا يدور الحديث فقط عن المساومة والمصالحة. اذا كان ثمة شيء يمكن حقاً ان نكون واثقين منه في التصعيد الاخير فهو الازدواجية الاخلاقية. في هذه الحالة ليس بالذات تجاه اليمين بل ايضا تجاه النضال الفلسطيني. لو خرجت إسرائيل الى حملة عسكرية جدية بهدف تصفية "الارهاب" لسمعنا ليس فقط انتقاداً ضد الحكومة وضد تسييس الحرب بل ايضا استجداء للرحمة على اهالي غزة الذين لم ينتخبوا "حماس" و"الجهاد الإسلامي". لو كان بينيت او لابيد خرجا الى حملة عسكرية، لكان بوسع سكان غزة ان يصلوا لرحمة السماء او لرحمة "حماس" و"الجهاد الإسلامي". إذ عندها، كان النضال الفلسطيني لـ "الاستقلال" سيصطدم بالأمر الأكبر والاهم بالنسبة لليسار الإسرائيلي لعصرنا: فقط لا لليمين.
عن "يديعوت"