من ذاكرة النكبة 4 والاخير النكبة و صراع البقاء

image_processing20230425-3694494-bslmcz.jpg
حجم الخط

بقلم اسماعيل جمعة الريماوي

 

منذ حدوث النكبة عام 1948 حتى هذه اللحظة، ولا تزال دولة الكيان تعمل جاهدة لطمس الهوية الفلسطينية واللعب في الساحة الداخلية لتفرقة وتقسيم الوطن من قبل المحتل الى جانب عمليات القتل والتشريد والنهب للاراضي وهدم البيوت ، بل دخلت الآن بالمرحلة التي كانت تخشاها منذ سنوات طويلة.


وهو الصراع الديموغرافي بين الفلسطينيين والإسرائيليين والذي وصل لمرحلة جديدة من "القتال الخفي" فباتت دولة الاحتلال تنظر لهذه الحرب الأخطر على وجودها وبداية تحلل "مشروعها الصهيوني" على أرض فلسطين المحتلة، بعد سنوات طويلة استخدمت فيها أبشع أنواع العقاب والتهجير والقتل في معركة الوجود مع الفلسطينيين .


ولعل من أبرز المخططات التي سعى الاحتلال لتنفيذها لضمان معركة الوجود وللحفاظ على التفوق الديموغرافي على الفلسطينيين والتأثير في الحالة الديموغرافية عبر الخط الأخضر وفي الضفة وقطاع غزة من خلال العديد من الآليات؛ منها: تكثيف موجات الهجرة، حيث تقوم إسرائيل وعبر وكالات خاصة بالهجرة بجذب يهود العالم إلى فلسطين المحتلة، وتقدم لهم الاغراءات وأن تلك البلاد هي أرض الأحلام، ولكن الواقع يشي بعكس ذلك، ففضلًا عن تراجع عوامل الجذب المحلية لليهود إلى فلسطين المحتلة وتراجع مؤشرات الرفاه الاقتصادي والاجتماعي في مقارنة بالسنوات السابقة، لا توجد عوامل طاردة لليهود باتجاه فلسطين المحتلة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.


وبالأرقام التي كشفها مركز "إسرائيلي" متخصص باستطلاعات الرأي، والتي شكلت هزة سياسية وأمنية واقتصادية عنيفة لدى حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة و السادسة لبنيامين نتنياهو، حيث أظهرت أن ثلث الإسرائيليين يفكرون بالهجرة وترك دولة الاحتلال ولا يشعرون بأي انتماء لها و أن معطيات الاستطلاع تدل على وجود مشكلة بالشعور بالهوية ، والارتباط والانتماء للكيان المحتل لدى الجمهور آخذ بالازدياد في الكيان الإسرائيلي وهذا واقع يخلق شرخا وانقساما في المجتمع الإسرائيلي .


بينما لا يتوقف التحريض الإسرائيلي ضد فلسطيني 48 الذين يبذلون أقصى جهدهم للحفاظ على هويتهم الفلسطينية و العربية رغم الثمن الباهظ الذي يدفعونه وهم يصارعون من اجل البقاء والتمسك بالهوية الوطنية داخل وطنهم و مدنهم وقراهم وهم سكان الارض الاصليين لهذه الارض ، وفي ظل تحريض إسرائيلي لا يتوقف ، وعنصرية متعددة الأبعاد والأشكال و حرمان من الحقوق و المساواة وتضيق الخناق والتحريض عليهم على الرغم من حصولهم على الجنسية الاسرائيلية ، كل هذا لم يحل دون حفاظهم على كينونتهم وهويتهم وانخراطهم مع باقي الفلسطينيين في التصدي للقضايا الوطنية الكبرى .


ويعيش نحو 1.8 مليون فلسطيني داخل قراهم و بلداتهم التي احتلتها إسرائيل عام 1948، و يمثلون قرابة 20% من السكان حاليا، حسب الاحصاءات الرسمية حيث يعانون من السياسة التمييزية و العنصرية ضدهم في مجال الأراضي والتخطيط و البناء ومن مظاهر هذا التمييز هدم المنازل المتواصل و صعوبة الحصول على تراخيص البناء و المخططات الهيكلية لبلداتهم ولا توجد أي علامات لتعزيز سياسة تخطيط منصفة ومشارِكة في الجليل و المثلث و النقب و كانعكاس للتمييز في الداخل المحتل فيما يخص الأقلية العربية، يبدو الفارق الشاسع في نسبة الفقر بين الوسطين العربي واليهودي ونسبة البطالة المرتفعه بين السكان الى التمييز في الاهتمام بين القرى والبلدات العربية و تشجيع الجريمة و عصبات الاجرام دون مكافحتها اضافة الى ارتفاع نسبة الفقر في وسط العائلات العربية ، وأن أكثر من نصف العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر، لقد تتعدد التسميات التي تطلق على الفلسطينيين الذين بقوا في قراها وبلداتهم التي احتلتها إسرائيل عام 1948 ، فهناك من يسميهم عرب إسرائيل، وهناك من يسميهم بفلسطيني الداخل، أو الأقلية العربية في إسرائيل، بالإضافة إلى عرب 48 .


اضافة الى تضييق الخناق والاستيطان ومصادرة الاراضي وهدم البيوت وبناء الجدار الفاصل و الطرق الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس وصعوبة الحصول على تراخيص البناء و الضرائب الباهظة على سكان القدس الفلسطينيين وتحويل محافظات الضفة الغربية الى كنتونات و عوازل بالحواجز و نقاط التفتيش و التضييق على العمال و صعوبة حصولهم على تصاريح العمل يجعل حياة السكان صعبة للغاية اضافة الى ما يعانيه قطاع غزة من حصار متواصل منذ اكثر من خمسة عشر عاما والذي جعل القطاع سجنا كبيرا لسكانه حيث كثرت الحروب و الهجمات والدمار الذي اصاب القطاع و انتشار البطالة والفقر المطقع كل هذا الذي تحاول به دولة الاحتلال الى جعل حياة الفلسطيني كالجحيم الذي يدفعه اما الى فقدان الامل في الحياة والمستقبل وترك الارض والوطن والهرب والهجرة الى بلاد اكثر رخاءا وامنا .


من المهم أن نستذكر أن مفهوم صراعنا مع الاحتلال هو على الأرض وهو الذي يشكل محورًا أساسيًا في الصراع مع الحركة الصهيونية، ويطغى هاجس "الخطر الديمغرافي" هذا الهاجس الذي يساور وما يزال الكيان المحتل حتى لا تتحول الأغلبية اليهودية المهيمنة إلى أقلية أو إلى نسبة قريبة جدًا من نسبة العرب الفلسطينيين، بحيث أن هذا الكيان اعتبر العرب الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم غرباء في وطنهم الأصلي ولعنة كبيرة على المشروع الصهيوني واعتبرهم مجموعة عدائية فطريًا وطابورًا خامسًا وعمل على التضييق عليهم ومحاصرتهم في مناطق أمنية وفرض عليهم الحكم العسكري، فهاجس الاستيطان الإسرائيلي لمواجهة الواقع الديموغرافي ومحاولة تثبيت يهودية الدولة على حساب مصادرة الأراضي العربية و حياة ومستقبل الانسان الفلسطيني .


ان جوهرية الصراع مع الاحتلال وأعاد الاعتبار إلى القضية الفلسطينية كان ولا يزال بمثابة خطوة بصفة جماعية لاستعادة الحقوق لأصحابها ، انطلاقًا من الوعي الفلسطيني الذي اتسم مبكرا بالمخطط الصهيوني وبصراع البقاء وصراع الأرض والديموغرافيا. مؤكدا على أحقية هذا الشعب بأرضه التاريخية وفرض معادلات جديدة في الصراع على الوجود والهوية والانتماء والتشبث بالوطن والأرض ولعدم استسلامهم لواقع استمرار السياسة الإسرائيلية في الاستيلاء على أراضيهم والدفاع عنها الى اخر رمق .