يبدو أن نتائج الحرب التجارية، الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، ستُحسم لصالح الصين، فحسب التوقعات العالمية الحالية، سوف تتجاوز الصين الولايات المتحدة الأميركية بناتج سنوي يصل إلى 28.6 تريليون دولار عام 2030، ( التريليون يساوي ألف مليار) مقابل 26.5 تريليون للولايات المتحدة الأميركية وهو ما سيقلب موازين القوى في العالم رأسا على عقب.
وككل الأزمات العالمية التي فاقمها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تعمقت الأزمة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، وتصاعد التوتر بين البلدين، بعد سنوات من سياسة الشد والجذب بين أكبر قوتين اقتصاديتين، عندما قرر ترامب رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بما يزيد عن 200 مليار، وجاء الرد الصيني بفرض رسوم جمركية على المنتجات الأميركية بقيمة تترواح 110 مليارات دولار، وفشلت هذه الخطة لأن من عانى منها هو المواطن الأميركي أساسا، واعتبرت الإدارة الأميركية أن خطة الصين لعام 2025 تشكل تهديدا مباشرا لها، وذلك باستهدافها الصناعات العملاقة مثل، الاتصالات السلكية واللاسلكية والطيران، والتكنولوجيا، والروبوتات والسيارات الكهربائية، والصناعات الدوائية، وغيرها من الصناعات المهمة والحساسة. وكخطوة تدل على التخبط والقلق الأميركي، أصدرت الإدارة مرسوما يستهدف عملاق الهواتف الصينية هواوي ، حيث وضعتها على قائمة الشركات المحظور بيعها منتجات تكنولوجية إلا بإذن خاص.
ادعت الولايات المتحدة الأميركية أن الخطة الصينية لعام2025، قائمة أساسا على سرقة براءات الابتكار والتكنولوجيا الأميركية، موضحة أن الخسائر التقديرية من سرقة الملكيات الفكرية من قبل الصين، تتراوح من 225 إلى 600 مليار دولار سنويا.
الحديث يطول، عن ملامح الحرب الاقتصادية التجارية الصينية، لكن هذا المقال فرصة لتسليط الضوء، على بعض الدلالات والتوقعات لهذه الحرب الناعمة، وانعكاساتها على واقعنا العربي والفلسطيني، فهذه الحرب / الأزمة باتت تقض مضاجع قادة أميركا منذ سنوات، ويبدو أن الدولة العظمى التي سيطرت على العالم اقتصاديا وعسكريا منذ الحرب العالمية الثانية، ستواجه المصير نفسه لبريطانيا، التي كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وتقلصت قوتها أمام إرادة الشعوب بالحرية والاستقلال. وهزيمة النظام العالمي الذي تكون فيه الولايات المتحدة القوة عظمى الوحيدة، أصبح وشيكا، وهذا ما أكده ترامب في أحد خطاباته، عندما قال، "عملتنا تنهار وقريباً لن يكون الدولار هو العملة العالمية، إنها هزيمة غير مسبوقة خلال 200 عام، وهذا سيبعدنا عن مكانتنا كقوة عظمى".
ثانيا، يبدو أن التوقعات باحتمالية انتقال الثقل الاقتصادي من غرب الكرة الأرضيه إلى شرقها (بحسب تسميات الغرب الذي يرى نفسه مركزا للكون) هي توقعات واقعية وصحيحة، خصوصا بعد الصفعة القوية غير المتوقعة، والتي أربكت الولايات المتحدة الأميركية، وأصابتها بالذعر والفزع من التنين الصيني، عندما أعلنت العديد من الدول مؤخرا عزمها على استخدام عملة اليوان الصيني بدلا من الدولار الأمريكي.
على سبيل المثال، أبدت المملكة العربية السعودية انفتاحها على تسعير جزء من نفطها بعملة اليوان، وهذا العام أعلنت الصين أنها للمرة الأولى تستورد الغاز المسال من الإمارات باليوان، وهو ما حذرت منه المستشارة الأميركية السابقة لوزير الخزانة مونيكا كرولي، عندما قالت: "إذا قررت دول أوبك مثل السعودية بيع النفط بعملات أخرى، فهذا سيعني انهيار النظام الاقتصادي الأميركي وكارثة كبرى".
الضربات للاقتصاد الأمريكي، توالت من كل الجبهات والاتجاهات، فالبرازيل والتي تعد أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، أعلن رئيسها لولا دا سيلفا، أن بلاده ستتعامل باليوان في تجارتها مع الصين. أما روسيا وفي تحدٍّ للعقوبات الإقتصادية، أعلنت دعمها لاستخدام اليوان الصيني في العمليات الحسابية بين روسيا ودول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ومؤخرا أعلنت دول (البريكس) عن النية لإنشاء عملة موحدة بين الدول الأعضاء، وسيعلن عنها بالقمة المتوقعة بشهر آب المقبل بحضور زعماء مجموعة البريكس بما فيهم بوتين، وهي بالتأكيد ضربة قاسية للدولار كعملة تداول واحتياط عالمي بلا منافس على مدار عقود من الزمن.
إن فظاظة السياسة الأميركية بالتعامل مع الدول والشعوب بالعالم، أدت إلى تنامي دور الصين وتأثيرها في تغيير معادلات اللعبة في النظام العالمي، كالحرب الروسية الأوكرانية، ودعم الصين ومبادرتها الناجحة في إنجاز التقارب السعودي الإيراني، واتخاذ خطوات إيجابية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وبدء المحادثات لبناء إطار أمني إقليمي جديد. وهو ما يعظم دور الصين أكثر في القضايا الأقليمية في الشرق الأوسط، على حساب الدور الأميركي، الذي كان ومازال داعما لأطماع إسرائيل وعدوانها في المنطقة.
على صعيد آخر تمثل قصة النهضة الصينية، والإرداة العالية، الطموحة بالوصول إلى القمة رغم كل العقبات قصة ملهمة لدول العالم قيادات وشعوب، فالصين التي لم يزد ناتجها المحلي عن 361 مليار دولار عام 1990 ، مقارنة مع الناتج الأميركي الذي كان ستة ترليون آنذاك، استطاعت منذ عام 2019 تقليص الفارق في الناتج المحلي الإجمالي بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، والتي كانت تتفوق عليها بسبع عشرة مرة، إلى مرة ونصف فقط عام 2018.
وعلى الرغم من أن العالم يترقب عام 2030، إذا ما كان سيطيح التنين الصيني بالنسر الأميركي باستراتيجة القوة الناعمة، أم أنه قد تكون هناك حرب عالمية ثالثة لمحاولة الولايات المتحدة الأميركية، حماية نفوذها ومصالحها بالعالم. وعلى كل الجهات سواء الحرب الاقتصادية او حرب عالمية ثالثة، فإن الخشية أن من سيدفع ثمن حروب تكسير الرؤوس العالمية هي كالعادة الدول والشعوب المقهورة.
ومن المؤكد أن صعود\ الصين وتراجع هيمنة الولايات المتحدة هو في صالح الشعوب التي عانت من الهيمنة الأميركية وانحيازها المطلق لإسرائيل لكن الاستفادة من هذه التحولات يتطلب أولا وقبل كل شيء ترتيب الأوضاع الداخلية للشعوب ومنها شعبنا الفلسطيني.