هارتس : التطبيع السعودي مع إسرائيل مرتبط بالثمن الذي ستدفعه واشنطن

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 

 




لم تثمر زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك ساليبان، في السعودية الكثير من البشرى بالنسبة لإسرائيل، التي هي في الأصل لم يكن من المخطط أن تكون ضمن زيارته. قام ساليبان في الحقيقة بإجراء محادثة في الانترنت مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ومستشار الامن القومي، تساحي هنغبي، قبل السفر الى الرياض. وجاء اثنان من مستشاريه الكبار، بيرت ماكغورك وعاموس هوخشتاين، أول من أمس، الى إسرائيل لاطلاع نظرائهم هنا على آخر المستجدات. ولكن حسب مصادر إسرائيلية فان لا يوجد أي حاجة لحبس الأنفاس للتوقيع على اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية. "التطبيع، اذا تم، لن يكون امراً قائماً بحد ذاته، بل سيكون جزءاً من نسيج علاقات استراتيجية يطمح الرئيس الأميركي، بايدن، لاقامته في الشرق الاوسط، حيث حصل على دفعة في اعقاب اتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وايران والتدخل المتزايد للصين في الخطوات السياسية في الشرق الاوسط"، قالت المصادر.
نسيج العلاقات هذا له وصف ساحر، "هندسة اقليمية امنية"، وضمن ذلك تعاون أمني بين الولايات المتحدة ودول الخليج والاردن والعراق ومصر وإسرائيل، وبين هذه الدول فيما بينها. هذه الفكرة تم شملها ايضا في قانون ميزانية الجيش للعام 2023 والذي قدم في 2022، وفي تعليمات الرئيس جو بايدن لوزير الدفاع، لويد اوستن، بأن يقوم بصياغة استراتيجية مفصلة ترسم على الخارطة تهديد الصواريخ الايرانية وطرق مواجهتها.
قبل سنة من ذلك قررت الادارة الأميركية ضم إسرائيل الى قيادة المنطقة الوسطى الأميركية بدلا من قيادة اوروبا، وهذه خطوة تسمح للجيش الأميركي باجراء مناورات مشتركة مع إسرائيل ودول عربية في المناطق ذات الصلة، وفتح قناة اتصال بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية المشاركة في هذه العملية.
في السنة ذاتها تمت ايضاً اقامة اطار مدني للتعاون الاقليمي بعنوان "12 يو. تو". وقد شارك فيه الى جانب إسرائيل الامارات والولايات المتحدة والهند والهدف هو ايجاد اطار لتبادل المعلومات والاستثمار في مجالات مدنية مثل الزراعة والطاقة. ولكن بنظرة متعمدة ايضا التعاون الامني إضافة الى المشتريات الامنية والمناورات المشتركة.
أوضحت جهات رفيعة في الادارة الأميركية في مقابلات بأن الهدف النهائي لـ "الهندسة الاستراتيجية" هو تعزيز قدرة دول المنطقة على بناء منظومات دفاعية وردع لا تحتاج الى تدخل عسكري من الولايات المتحدة، وتمكن من سحب القوات الأميركية من جميع هذه الدول والمواقع في المنطقة التي تتواجد فيها الآن. لا يستهدف هذا القول بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في حالة حدوث نزاع اقليمي جوهري، بل القصد هو زيادة القدرة المحلية لتقليص الامكانية الكامنة لاشتعال نزاعات كبيرة.
إن دمج القوات الإسرائيلية مع قوات دول عربية، خاصة القوات في دول الخليج، هو أمر حيوي للولايات المتحدة لتجسيد هذه الاستراتيجية. ولكن هنا توجد صعوبات رئيسية. فرغم التقارب بين إسرائيل والسعودية إلا أنه لا يوجد بينهما اتفاق سلام. والاهم من ذلك هو أن السعودية تقوم بتحسين التعاون مع الصين، الامر الذي أثمر الاتفاق بين السعودية وايران في آذار الماضي برعاية الصين ووساطتها.
في الوقت ذاته الهند ايضا، الشريكة المهمة في الاستراتيجية الاقليمية للولايات المتحدة، غير ملزمة بشكل حصري بالتعاون العسكري مع الدول العربية، وتوضح علاقاتها مع ايران ومع روسيا بأنها حتى الآن تفضل الحفاظ على جميع الخيارات مفتوحة. قبل نحو اسبوع على زيارة ساليبان في الرياض، التي التقى فيها مع مستشار الامن القومي لدولة الامارات، طحنون بن زايد آل نهيان، ومع نظيره في الهند، اغيت دوبال، قام الاخير بزيارة طهران. وقد التقى هناك مع نظيره علي شمخاني والرئيس الايراني، ابراهيم رئيسي، ووزير الخارجية، حسين امير عبد اللهيان، لمناقشة التعاون التجاري بين الدولتين بمبلغ نحو 2.5 مليار دولار.
طلبت ايران من الهند استخدام منظومة تجارة تعتمد على الريال الايراني والروبية الهندية من اجل تجاوز العقوبات الأميركية على صفقات بالدولار. ويبدو أن الهند تنوي الموافقة على ذلك. اضافة الى ذلك يوجد للهند وايران مصالح مشتركة في تحويل ميناء تشابهار في ايران، الذي استثمرت الهند في تطويره، الى مفترق طرق تجارية يربط غرب آسيا مع الصين. ستحول شبكة العلاقات بين الهند وايران، الى جانب توسع نفوذ الصين، الهند الى دولة حيوية بالنسبة للولايات المتحدة من اجل اقامة سور الصد امام الصين وايران.
في الخلفية ثمة تقدير للادارة الأميركية بأن شبكة العلاقات الاقليمية القائمة – شبكة العلاقات بين الهند وايران، وبين السعودية والهند وباكستان، ومؤخرا ايضا بين السعودية وايران – هي جزء من الواقع الجديد في الشرق الاوسط. وطموحات الولايات المتحدة هي على الاقل الحفاظ على قوة ومكانة الولايات المتحدة كدولة عظمى مؤثرة، عن طريق شراكات استراتيجية موازية مثل التعاون العسكري والمدني بين بعض دول المنطقة، التي تشمل إسرائيل ايضا. واشنطن لا يمكنها توقع الحصرية عندما سيزداد طمس الحدود بين الدول التي تؤيد أميركا والدول المناهضة لها.
الدولة الرئيسية لتطبيق الهندسة الجديدة هي السعودية. ولكن تختلف مكانة السعودية، الآن، عن مكانتها قبل سنة ونصف، وهكذا ايضا إسرائيل. من دولة معزولة من قبل الولايات المتحدة فان السعودية تحولت الى دولة يقوم الجميع بمغازلتها، وقد اجبرت الرئيس الأميركي على زيارتها والالتقاء مع من اعتبره زعيما مقيتا، ولي العهد محمد بن سلمان، كي يطلب منه زيادة انتاج النفط السعودي في محاولة لتقليص النقص الذي حدث بعد اندلاع الحرب بين روسيا واوكرانيا.
ضرب محمد بن سلمان في الحقيقة قبضته بقبضة بايدن، لكن النفط لم يخرج من ذلك. لم يتبدد التوتر بين الزعيمين بل تعاظم. السعودية الآن تطمح الى تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة. ولكن في هذه المرة من موقع جديد كدولة يمكنها ايضا املاء الشروط، وليس فقط الخضوع لها. فهمت الرياض جيدا ايضا بأن إسرائيل السابقة، التي كان يمكن أن تؤثر على الأميركيين من اجل مساعدتها على اعادة التأهيل لم تعد موجودة الآن. ابن سلمان، الذي يجد صعوبة في الاقتناع بأن رئيس الحكومة في إسرائيل لم يتم استدعاؤه حتى الآن لزيارة البيت الابيض، يمكنه اقامة علاقات ودية مع بايدن. عملياً، مكانة نتنياهو الآن تشبه مكانة محمد بن سلمان لدى الأميركيين بدون التأثير الاقليمي الذي يتمتع به الزعيم السعودي حاليا.
على هذه الخلفية يبدو الآن أن ثمن التطبيع بين إسرائيل والسعودية سيمر باعادة النظر، وسيأخذ في الحسبان المصالح الأميركية، والثمن الذي ستكون مستعدة لدفعه للرياض، والمصادقة على اقامة مفاعلات نووية وصفقات شراء طائرات قتالية متقدمة والاعتماد على ابن سلمان كـ "وصي" على المنطقة، على الاقل كما كان في فترة الرئيس السابق، دونالد ترامب، وأسلافه. السعودية غير مستعجلة. فهي ليست دولة واقعة تحت الضغط أو تخشى من فقدان نفوذها الإقليمي.

عن "هآرتس"