يلتئم شمل «جنيف 3»، لمعالجة القضية السورية، ومحاولة التوصل إلى حل يكفل وحدة الجغرافيا السورية من جهة، والتوصل إلى صيغة سياسية، تكفل وحدة المؤسسات السورية، خاصة الجيش والأمن.
طال أمد الحرب الداخلية في سورية، وكان واضحاً للجميع أن ثمة تدخلات خارجية، إقليمية ودولية، تدخلت في مسارات الأزمة السورية، وما وصلت إليه الأمور الداخلية، من حالة ترد خطيرة، أرغمت الملايين من السوريين، على الهجرة واللجوء في الدول الأوروبية وغيرها.
نشأت داعش، وتعاظم دورها، وإلى جانبها نشأت وترعرعت جبهة النصرة، وتتالى نشوء تنظيمات «إسلامية»، وعلى نحوٍ لافت للنظر من يعرف سورية من الداخل، وتكوينها ونسيجها السياسي والاجتماعي، يعرف أن هذا البلد، يتمتع بنسيج اجتماعي، بعيد عن الطائفية، ويعرف أن مكوناته السياسية، في معظمها، إن لم نقل جلها، وطنية ـ علمانية، ودينية، منفتحة ومتسامحة، ومتصالحة مع نفسها، ومع غيرها... .
وعندما تداعت المعارضة السورية لاجتماع عارم لها، سمي «ربيع دمشق» جرت مطارحات سياسية واجتماعية راقية، ورفيعة المستوى، وتبلورت أفكار ديمقراطية، تعزز قدرة المجتمع السوري، وترفع من مستواه.
صحيح أن بنية النظام في سورية، لم تكن تسمح لهذا الربيع أن ينمو ويثمر، لكن في دلالات كثيرة، في المقدم منها، أن المعارضة هي معارضة وطنية وعلمانية في جوهرها ومراميها!
عند بدء ما سمي الربيع السوري، كانت طلائع المتظاهرين، والمنادين بالحرية، من جموع الشعب السوري، المدني، التواق لممارسة الحرية والتعددية السياسية، لم يستخدموا السلاح ولم يدعوا إليه، ومع ذلك وجد النظام ببنيته الاستخبارية ـ العسكرية، أن أول العلاج، هو الكي.
وفي اطار النار، واستخدامها، اشتعلت المناطق السورية، وساعد تصاعد الدخان فيها، على قوى خارجية، تنامت، وتعاظم دورها.
معظمها تسرب عبر الحدود التركية ـ السورية، وبعضها عبر الاراضي اللبنانية.
قوة القوى الإسلامية ـ المتطرفة، وفرض سيطرتها على أكثر من 60% من الأراضي السورية، كان من شأنه تهميش دور الجيش السوري الحر، والقوى الوطنية والديمقراطية السورية.
وجدت تلك القوى المهمشة، ملجأ لها في اسطنبول والسعودية، ما أبعدها عن أرض الصراع، وزاد في تهميش دورها.
وصلت سورية ـ نظاماً وجغرافيا، تخوم التفكيك والضياع، إلاّ أن تدخّل روسيا، بقضّها وقضيضها، إلى جانب النظام، ورفعت العصا الغليظة في وجه تركيا، ومن يساندها أدى إلى قلب المعادلة.
في ظل قلب المعادلة، جاء انعقاد جنيف 3. كان للمعارضة شروطها، للمشاركة في هذا المؤتمر، إلاّ أن الموفد الدولي، للأزمة السورية، وكذلك دولاً عديدة كان من أبرزها الولايات المتحدة، دعت المعارضة للحضور، دون شروط مسبقة.
هددت المعارضة بالمقاطعة، لكنها عدلت عن ذلك.
المؤتمر عملياً، سينعقد ويقرر، بمن حضر... عملياً وواقعياً.
في ظل أجواء جنيف 3، تبرز أهمية ودور المعارضة السورية... وبما لا يتعارض مع الإرادات الدولية والإقليمية، وهذا الدور يتبلور في عدة نقاط مركزية:
• المعارضة جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي السوري.
• ضرورة استبعاد استخدام السلاح، كأسلوب لحل الخلافات الداخلية.
• محاولة انتزاع، تغييرات جوهرية في بنية النظام السوري، وإباحة ممارسة الحريات الديمقراطية، والتعددية الحزبية، ما يتيح تداول السلطة.
إن ثمة تغييرات داخل بنية النظام، مع بقائه، ودون تفكيك للجغرافيا السورية، بات يمثل نجاحاً وانتصاراً للشعب السوري، بكافة شرائحه وطوائفه وألوانه وأطيافه.