العدوان والدم في الضفة والقطاع

تنزيل (2).jpg
حجم الخط

بقلم د بكر ابو بكر

 

 

 في سياق تواصل الاعتداءات في الضفة الغربية التي لم يمر عليها يوم واحد ولم يحصل عدوان على قرية أو مدينة أو مخيم، ومازال "القاتل المتسلسل" يفعل أفاعيله بالبلاد. ويظل الشعب الفلسطيني صامدًا، وتظل المقاومة الفلسطينية بالضفة صامدة قوية خاصة بشكلها الجماهيري السلمي الذي لا يلقى هوىً ممّن يحبون الدراما والشعارات العريضة على حساب عدم فهم مستوى القوة والإمكانية، والوحدوية، ومقتضيات الحال. أو إرضاء لنزعات تشفّي بخصومهم من هنا اوهناك

تواصلت الاعتداءات اليومية بالضفة الفلسطينية التي خلّفت كل يوم شهيد بطل، ولم تكن المقاومة الفلسطينية بالضفة بأقل قدرة على اجتراح الرد، بل تواصل الفعل اليومي الجماهيري ومازال من سنوات ضد كل سرقة لأي شبر من الأرض، وضد التهويد المستمر للأقصى والقدس.
أم أن هذا لا يعدّ عند "الهمج الرعاع" أو ذوي العقول الضيقة ممن لا يفعلون شيئًا لدعم نموذج المقاومة هذا أوذاك سوى الشتيمة والاتهام للخصم، والفرح للرصاصة أو الصاروخ متى جاءت من (النادي الرياضي) الذي يشجعه! (إنه فعل أكشن!؟ لدى البعض المتفرّج) ما هكذا تكون المقاومة بأي شكل كانت، وما هي إن لم تكن حُسن إدارة وحكمة قيادة موحدة، وإرادة فعل تأخذ كافة المعطيات بالاعتبار ولا تُقدم على عمل الا ضمن استراتجية وطنية شاملة.

متى تحولت المقاومة كفكرة أو ممارسة الى نزاع فصائلي يغذّيه المتفرجون من ملاعب المشاهدين، أو إرضاء لمحاور مصلحية فإن الفعل يصبح استعراضيًا، وقتيًا، بلا أدني أهمية ولا استراتيجية. فلا يجوز لأي مقاومة أكانت جماهيرية أم عنفية أن تكون وفق (ما يطلبه المستمعون) أو ما يطلبه الممولون أو المختبئون وراء لوحات المفاتيح.

نعود لنؤكد أن العدوان الصهيوني المتواصل يحتاج ردًا موحدًا، ردّ وطني موحد ومعنى موحد لمن لا يفهم أي أن يكون بترابط واستثمار من قبل الحاضنة الوحيدة للفعل الفلسطيني الإجمالي أي منظمة التحرير الفلسطينية والتي في إطارها تم التوافق عام 2020 علنًا على اختيار المقاومة الشعبية.والرد الوطني الموحد يجب وبلا أدنى شك أن يكون مستندًا للحائط العربي مهما قلنا فيه.

إن الدم الغزير الذي يسيل بالضفة الغربية ومثله في قطاع غزة من فلسطين يجب أن يكون له ثمن، نعم. ومن يستطيع تحويل الدم الى أساس وأصول يستند عليه في الفعل السياسي هي القيادة الحكيمة (لربما نختلف بالحكيمة، ليكن ذلك) ولا تكتمل حكمة القيادة إلا بالخطاب الوحدوي الحقيقي، والشراكة بين كل الفصائل وضمن الإطار الوحيد الجامع.

"حماس" أصبحت بحكم الأمر الواقع سلطة تدير القطاع بمعنى أنها لا تقوم بفعل المقاومة الفلسطينية المجردة من زُخرف السلطة الحاكمة وتبعاتها اليومية على الجماهير، لذا نشأ فيها تيارات سلطوية وظيفية، وأخرى نضالية مقاوِمة-كما الحال في الشمال- هذا جانب وفي الجانب الآخر فإنه ضمن العمل الحكيم يفترض بالسلطة أو القيادة تقدير المرابح والخسائر فأين ستكون سلطة الأمر الواقع بغزة حين تتعامل مع العدوان الصهيوني؟!

قد يفرح البعض بانكماش "حماس" "السلطة"عن الرد (الذي يرغبونه) ما يعني عدم دعم "الجهاد" وسقوط شعارها "وحدة الساحات" كما حصل سابقًا ضمن هذا التحليل، للمرة الثانية أو الثالثة فيصِموها بالكذب والتناقض وأنها ذات الوجهين.

وقد يضع لها البعض الآخر المعاذير، لكن في جميع الأحوال فإن الحل الأسلم للخروج من الحرج، ومن هذه الثنائية المتناقضة والقاتلة (سلطة/مقاومة) هو أن يكون الإطار الجامع ضمن المنظمة هو الفيصل حتى دخول المصالحة النائمة موضع التنفيذ.
لا يجب أن يتساوق المناضلون من كافة الفصائل بفلسطين بالضفة أو غزة مع الحديث الشعبوي بتاتًا، أومع الحديث الأيديولوجي المطلق، أو مع فحيح الأفاعي من أين جاء، الذي يسعي للفرقة بكل السُبُل، فمصلحة فلسطين فوق كل هؤلاء والمصلحة حيث بوصلة فلسطين وحيث سار اليها مركب الوحدة.

في الآونة الاخير تسابقت بعض الفضائيات الاستفزازية والتحريضية على تعريف ما يحصل في القطاع أنه مقاومة!؟ حصريًا!؟ بما يوحي أن الطرف المقابل بالضفة-الشمال هم أتباع المساومة، وبما ينتقص من المقاومة الشعبية الفلسطينية المتواصلة لسنوات بالضفة الغربية، وهذا زرعٌ شريرٌ ومقصود، ويجب أن نرُدّه على أصحابه بالوعي والفهم والوحدوية.

لم تكن المقاومة أو الجهاد أو الثورة يومًا حجرًا يُرمى فقط، أو رصاصة أوصاروخًا يُطلق فقط، بل وكان معها الوقفات الصلبة في مواجهة المستعمرين (المستوطنين)، ومدرسة النضال المقدسية الفريدة، وكانت البالونات و التظاهرات على السلك الشائك، وكان الاعلام والدبلوماسية وحرب الرواية، وكان ما يحصل في الضفة من معجزات الفعل الشعبي المقاوم الأعزل من السلاح بما لا يتوقف من صدّ هجمات المستعمرين وجيش العدوان، وإن كنا دومًا نقول دومًا أننا مازلنا بحاجة للمزيد لجعل المقاومة الشعبية فعلًا مؤثرًا بشكل يقلب المعادلة.
إن من الخطأ المقصود تقسيم الشعب الى مقاوم، وآخر مستسلم!؟ أواستنادًا لنظرة الانتماء الفصائلي الضيقة أو المؤدلجة، بما يحمله هذا التشطير من حمولة ثقيلة من قلة الوعي والافتراء على الفعل الصامد لمجمل الشعب الفلسطيني.

وهذا لعمري من أفاعيل الإعلام المأجور الذي يبت السموم ليل نهار بما لا يُجلي الغُمة، ولا يجعل لابن "فتح" أن يرى بابن "حماس" أي قيمة، والعكس بمثله مع حمولة أيديولوجية تحريضية قاتلة.
إن شعار شركاء بالدم وشركاء بالقرار يقرن الفعل الميداني بالفعل السياسي الوطني العام الوحدوي، وليس الفصائلي، ما يجعل من الاسثمار وطنيًا وعربيًا، وليس مصلحيًا أو فصائليًا هو الغاية والمراد.

إنه من الخطأ الاستراتيجي ألا نتوافق وقُدسية القضية وحراجة الظرف وانفضاض المحيط، ومن الغريب ألا يكون لمسلسل القتل الصهيوني اليومي في فلسطين شمالًا وجنوبًا أن يمثل مدخلًا واسعًا لوحدة القرار والموقف والأداة والحاضنة.