ربما يشهد الرابع عشر من الشهر الجاري أصعب معركة انتخابية في الحياة السياسية للرئيس رجب طيّب أردوغان منذ توليه منصب رئاسة الوزراء قبل حوالى 20 عاماً، إلى حين موعد هذه الانتخابات التي تشهد تنافساً حاداً بينه وبين مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
أردوغان الذي أمسك بزمام السلطة وحوّل البلاد من نظام برلماني إلى رئاسي عام 2014، ومن ثم قفز إلى منصب الرئاسة ووسّع من صلاحياته السلطوية، يسعى هذه المرة للفوز بولاية ثالثة، وسط مجموعة من التحديات الكبيرة التي قد تنهي مستقبله السياسي.
واحدة من أكبر التحديات التي تواجهه تتصل بالوضع الاقتصادي والمعيشي الذي تعيشه البلاد، حيث تتآكل قيمة العملة المحلية يوماً بعد يوم بسبب معدل التضخم الرسمي الذي يزيد على 50%، مع إصراره الشديد على عدم رفع أسعار الفائدة.
الكثير من الأكاديميين والاقتصاديين يعتقدون أن التضخم وصل بالفعل إلى 100% في البلاد، وأنها شهدت منذ عدة أشهر ارتفاعاً كبيراً في الأسعار وغلاء فاحشاً مسّ جميع الطبقات وأضرّ كثيراً بالطبقة المتوسطة، وسط تزايد معدلات الفقر وارتفاع نسب البطالة.
هذا التحدي الداخلي كفيل بإسقاط زعيم حزب العدالة والتنمية من أهم منصب سياسي، يضاف إليه تحد آخر يتعلق بتعامل الحكومة مع الزلزالَين المدمرَين الذين ضربا البلاد في شهر شباط الماضي، والذي راح ضحيتهما حوالى 50 ألف شخص.
في حينها اتهم الرئيس وحكومته بعدم الاستجابة السريعة مع آثار الزلزالين، والتقصير في إدارة عمليات البحث والإنقاذ، وكذلك عدم اتخاذ الإجراءات الصارمة والالتزام بالقواعد الناظمة في مسألة قوانين ومعايير البناء والتشييد.
غير أن أردوغان تمكن إلى حد معقول من إسكات الكثير من الأصوات الناقدة له، بإعلان حكومته بناء مساكن جديدة في غضون عام، وإسقاط الكثير من الديون المتراكمة على ضحايا الزلزالين، وتقديم معونات وتسهيلات للمتضررين بهدف إنقاذ مشاريعهم التجارية.
التحدي الثالث المهم بالنسبة للكثير من الأتراك، يتعلق بحب الرئيس للسلطة، والتمسك بها إلى درجة السيطرة الكاملة على مقاليد البلاد وتضييق هامش الحريات العامة، وهناك طابور كبير من الجيل الجديد الذي لم يعرف قائداً غير أردوغان.
هناك ما يقارب 5 ملايين شاب وشابة سينضمون إلى شريحة المصوّتين في هذه الانتخابات، وهذا الجيل الجديد يرى في الرئيس الحالي شخصية قديمة الطراز حالمة بالسلطة، وغير قادرة على إحداث الإصلاحات التي يرجونها الشباب، ومن بينها تعزيز الديمقراطية، وفتح المجال أمام حرية التعبير، ووقف التدهور الاقتصادي الحالي، وخلق وظائف متنوعة للخريجين والعاطلين عن العمل.
على الصعيد الخارجي، يعترف الكثير من الأتراك بأن أردوغان وضع البلاد على سكة الدول التي لها تأثير مهم في الساحتين الإقليمية والدولية، لكنهم أيضاً ينتقدونه على التباطؤ في اتخاذ إجراءات تجعل البلاد قريبة من الالتحاق بركب الاتحاد الأوروبي. أيضاً يتهمونه بشأن توتير العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، ما أسهم بشكل أو بآخر في تأزيم الوضع الاقتصادي التركي.
ما يقلق زعيم حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات أنه أمام منافس حقيقي يحمل أجندة ورؤية مختلفة ونقيضة لبرنامج أردوغان الانتخابي، والأهم أن خلفه ستة أحزاب معارضة وموحدة في الموقف تضم حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه.
كمال كليجدار أوغلو الذي سبق أن مُني بخسائر في معارك انتخابية، يطمح هذه المرة إلى تغيير واقع الحال، والفوز على أردوغان ببرنامج انتخابي يُعبّر عن تحالف "طاولة الستة"، الذي يشمل أحزاباً تشاركه الرأي في مسألة إلغاء النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني.
كما أنه يقدم رؤية طموحة لمعالجة الوضع الاقتصادي بتخفيض معدل التضخم إلى أقل من 10% في غضون عامين، وإعادة حوالى 3.5 مليون سوري مقيمون في تركيا بشكل طوعي، وهذه الرؤية تخدم رغبة الناخب التركي في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لحماية الوظائف التركية التي تضررت وانكمشت بسبب توفر العمالة السورية بأسعار رمزية ومنافسة.
من غير المستبعد أن يفشل الرئيس أردوغان في هذه المعركة الانتخابية، وسط استطلاعات الرأي التي تعطي الأفضلية لمنافسه كمال أوغلو، غير أن الاستطلاعات قد تكون غير دقيقة مع وجود ملايين الأصوات الجديدة التي لم تحسم موقفها لمن ستصوت.
في العام 2019 تعرّض حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان لهزيمة كبيرة في الانتخابات المحلية، التي أسفرت عن خسارة أنقرة وإسطنبول، وحينذاك أشارت الصحافة إلى أن من يخسر إسطنبول قد يخسر تركيا، وربما قد يكون ذلك مؤشراً على تهاوي شعبية أردوغان ومقدمة لخسارة تركيا.