خمسة أيام مرت منذ لحظة قيام دولة العدو القومي بعملية الاغتيال الغادر لثلاثة من قادة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد، فتحت باب مواجهة "عسكرية فريدة"، لم تكن ضمن حسابات أجهزة أمن الكيان، والذين راهنوا أن تكون كما سبق أن كانت "دردشة صاروخية" ضمن ما لديهم من معلومات حول الوضع القائم في قطاع غزة.
توقفت الجولة العسكرية بعد تدخل قادته الشقيقة مصر، لتضع نهاية لأيام خمس ستبقى جزءا حيويا من "الذاكرة الوطنية الفلسطينية العامة"، خاصة وأن دولة العدو عملت كثيرا على محاولة ترسيخ معادلة وفق حساباتها الخاصة الاستفرادية بالجهاد، تنتهي وفقا لما رغبت، كما سبق حدوثه في مرات سابقة.
مبدئيا، لا يجب أبدا الاستخفاف بما كان من خسائر بشرية فلسطينية، بينها 33 شهيدا منهم أسر اختفت، وقادة عسكرين بارزين في سرايا القدس، والذين يمثلون وجعا أمنيا خاصا، لكن تلك جزء من ثمن لا مجال لوقف دفعه وطنيا، ما دام هناك احتلال وغياب الحرية والاستقلال الوطني لشعب فلسطين، وعدم وجود دولته الحرة، وهي مستمرة في الضفة والقدس كما في قطاع غزة.
ولكن، ما يجب رؤيته من زاوية مختلفة، رغم قساوة الخسائر البشرية والمادية، ان حركة الجهاد بقوة وتصميم، اكدت دون ارتعاش عسكري – سياسي، ان خيار المواجهة مع دولة العدو لن يكون ابدا وفق معادلة يتم تحديد مسارها في تل أبيب، وأن القدرة على الرد ليست معدومة أبدا، وأثبتت ذلك صاروخا وسلاحا، بقدرة ربما لم تستخدم كامل طاقتها، لظروف لم تعد مجهولة، تركت دروسا متعددة:
الدرس الأول، قياسا، فصيل فلسطيني، بدعم من بعض أجنحة وفق إمكانيات محدودة، تمكن خلال أيام أن يفرض على أمريكا قبل حكومة تل أبيب أن تسارع في العمل لوقف إطلاق النار، ويتصل مسؤوليها الأمنيين وزير الدفاع ومستشار البيت الأبيض الأمني مع نظرائهم في الكيان، مع فتح الهاتف مع القاهرة، كي تعمل جهدها مع حركة الجهاد، تدخل لم يكن في مرات سابقة بتلك السرعة والكثافة.
الدرس الثاني، الموقف الأمريكي جاء ضمن حساب سياسي دقيق، خوفا من انعكاس ذلك على المشهد الفلسطيني العام في الضفة وقطاع غزة، ولاحقا عربيا وربما دوليا، مع ما قد يكون من جرائم حرب متزايدة ترتكبها قوات الاحتلال، الأمر الذي سيقود الى ما يربك الموقف من حرب أوكرانيا، وأن تسارع روسيا للاستفادة العملية، الى جانب أن إطالة المعركة لن تضمن واشنطن بقاء المحيط صامتا، وكذلك الرسمية الفلسطينية، التي قد تجد حرجا سياسيا كبيرا فيما لو تطورت دون أن تذهب لمسار موقف مواجهة مع دولة الكيان.
الدرس الثالث، ان الجهاد تمكنت خلال أيام معدودة، ان تؤكد قدرة عسكرية قادرة تربك دولة تعتبر من بين "القوى العظمى" تقنيا وعسكريا، تشرد مئات آلاف من سكانها هائمين بين ملاجئ وحدائق رعبا وهلعا من صاروخ يخترق أنظمة الوقاية الشاملة، وخسائر مالية بملايين الدولارات.
الدرس الرابع مرتبط بنظام الحماية، فمعركة الأيام الخمسة، أكدت أن صواريخ بدائية كسرت "هيبة القبة والمقلاع"، ما سيضع أمام الباحثين عن شرائها أسئلة موضوعية فيما لو كانت حقا هي النظام المطلوب، الذي اخترقه "صاروخ بدائي" فما بالكم والصاروخ روسي متطور، او صيني حديث، او عربي أراد أن يختبر قدرته الميدانية.
الدرس الخامس، أن حكومة دولة الاحتلال لا يمكنها ابدا، ان تدعي "نصرا ساحقا"، وكل ما لها التباهي أنها قامت باغتيال كوكبة من كادر عسكري، لا يمكنه يوما أن يعرقل مسار، فكم الاغتيالات للقيادات السياسية والعسكرية في فلسطين فاق كل الأرقام، واستمرت الثورة والمواجهة، وكذا الجهاد، لذلك ستكون حكومة نتنياهو وخلال ساعات تحت القصف الناري الداخلي.
الدرس السادس، ان الشعب الفلسطيني وسريعا جدا، وضع خطا فاصلا بين "الغث السياسي" الذي ساد طويلا بشكل "منقب" لتمرير مشروع خدمة حزبية لجماعة وضعت معادلتها خارج السياق العام، وبين "السمين الوطني" الذي يبحث فعلا مختلفا، دون انتظار ثمنا مقابلا سوى انتماء وهوية.
الدرس السابع، أن حركة حماس أصابها ارتباك شامل، بعيدا عن "غوغائية إعلامية" كانت تلهث وراء الحدث، بأشكال مختلفة، ولذا عليها قبل غيرها، ان تقف وتفكر أن معادلتها مع دولة العدو، حول "النتوء الكياني" او مشروع "التقاسم الوظيفي" الموعود، لن تكون طريقها "سالكة" كما حسب أهل الحساب.
الدرس الثامن، أن الرسمية الفلسطينية أكدت انها فقدت كثيرا من بريقها التمثيلي، بعدما غابت سياسيا وديبلوماسيا عن تشكيل جبهة احتضان للفعل الوطني، ولذا، سريعا جدا، عليها أن تقف وترى، الخطيئة والخطأ، ولا تبحث تبريرا وكذبا، فما سيكون قادما ربما ثمنه يفوق كثيرا حسابات بيدرها.
الدرس التاسع، أن هناك فجوة غريبة بين قوى الضفة والقدس وقطاع غزة، وكأن الانقسام بات جزءا من وعي الفصائل ذاتها، رغم انها كلها تقريبا لها ذات الانتماء، فليس مفهوما مطلقا ولا مبررا ألا تكون المظاهرات الشعبية سيدة الحضور طوال معركة الأيام الخمسة، أي كانت "ذرائعية" تساق، كشفت ما يفرض ضرورة المسارعة لقراءة الحدث، الذي يمثل خطرا يفوق خطر انقسام السلطتين، لبحث "وحدة الساحة الداخلية" بعد سقوط كلي لشعار "وحدة الساحات" المستورد.
الدرس العاشر، أكد ان شعبية هذا الفصيل أو ذاك، لن تبقى أسيرة تاريخ وذكريات، بل سيرسمها مسار الواقع والحقيقة السياسية القائمة ضمن سياق الوطنية الفلسطينية الأقل عصبوية وحزبية.
معركة "الأيام الخمسة" ستبقى في ذاكرة الوعي الجمعي الفلسطيني، نموذجا خاصا في لحظة زمنية سياسية مركبة، علها تفتح الباب لنفق راه الخالد ياسر عرفات، تستوجب رفع قبعة التقدير للجهاد وقائدها زياد النخالة.
ملاحظة: سريعا جدا على الرسمية الفلسطينية أن تتحرك نحو مساعدة كل من أصابه ضررا ماديا ونفسيا خلال معركة "الأيام الخمسة"، لتكون حكومة شعب وليس بعض منه..غير هيك تضبب حالها وتحل عنا.
تنويه خاص: مصر لا تنتظر تحيات وتشكرات لدورها في دعم فلسطين..هي أم التضحيات دوما..لكنها لم تنم حتى كان ما كان وقفا، يمنح الفلسطيني بعض فخر وطني في مواجهة دولة عسكرية عظمى لهثت وراء الوقف..سلاما للمحروسة.