معاريف : حملة "درع ورمح": إسرائيل تسعى لتثبيت معادلتَي ردع تجاه غزة

الون بن دافيد.jpeg
حجم الخط

بقلم: الون بن دافيد

 



في الأيام الثلاثة الأولى على الأقل، وإذا لم يقع خلل في اللحظة الأخيرة، تبدو هذه الحملة كاحدى الحملات الأكثر نجاحاً لإسرائيل في غزة في السنوات الأخيرة، رغم الاسم العظيم. ضربة بدء سريعة ومركزة قطعت في غضون ثلاث ثوان رأس قيادة "الجهاد الإسلامي" في غزة، بعد اعداد مسبق وسليم لإخلاء مدنيين من الغلاف، وتشخيص دقيق لتداخل المصالح مع "حماس" وحماية جوية فائقة، كل هذه أدت الى حملة من النوع الذي نحبه كلنا: قوية، سريعة، وسلسة.
أهداف الحملة والتصريحات التي رافقتها أيضا كانت، لغرض التغيير، متواضعة. لم يطلق احد وعوداً كبيرة كـ "خلق واقع جديد في الجنوب" أو "ترميم الردع الإسرائيلي". في الأسابيع الأخيرة حاول "الجهاد الإسلامي" أن يصوغ قواعد لعب جديدة مع إسرائيل، وجاءت هذه الحملة لتقول له إن إسرائيل أيضا مستعدة لتغيير قواعد اللعب، وأن تجبي منه ثمنا. ستثبت الأشهر القريبة القادمة اذا كانت الرسالة استوعبت.
لم ينجح رئيس الوزراء، الذي لأول مرة منذ اشهر عادت الحمرة الى وجهه المكفهر، في ضبط نفسه والحفاظ على التواضع اللازم. حتى قبل أن تنتهي الحملة، أعلن بعظمة أن "الجهاد الإسلامي تلقى الضربة الأقسى في تاريخه"، في إعلان زائد.. سيبقى "الجهاد الإسلامي" تنظيماً "إرهابياً" ذا قدرات حتى بعد هذه الحملة.
بداية محاور حملة "درع ورمح" (أو كما كان هناك من اسماها حملة "محطم المقاعد") هي في موت السجين خضر عدنان. كان عدنان نشيطاً لـ "الجهاد الإسلامي"، من هواة الإضراب عن الطعام. في الأسبوع الماضي حقق حلمه، وجوع نفسه حتى الموت في السجن. قرر القائد العسكري لـ "الجهاد الإسلامي" في القطاع، خليل بهتيني، جعله رمزاً. حاول أن يضع قواعد لعب جديدة مع إسرائيل، وأمر رجاله أن يطلقوا 100 صاروخ من القطاع، رداً على موت عدنان. يبدو أن بهتيني لم يفهم أنه بفعله هذا يجعل نفسه هو الآخر رمزاً.

غالنت المخدر
في "الشاباك" وفي الجيش الإسرائيلي تابعوا على مدى فترة طويلة بهتيني وزميليه، طارق عز الدين، الذي فعّل "خلايا إرهاب" في "يهودا" و"السامرة"، وجهاد غانم، زعيم على خط التماس السياسي – العسكري لتنظيم "الجهاد الإسلامي". كانت التوصية هي تصفية الثلاثة معاً. الظروف لمثل هذه التصفية الثلاثية لم تكن ناضجة، الأسبوع الماضي. أوصى وزير الدفاع، يوآف غالنت، بالانتظار الى أن تنضج والاكتفاء حالياً برد هزيل، رغم النقد الذي أُسمع في أوساط أعضاء الائتلاف. منذ عهده كضابط في الجيش الإسرائيلي عرف غالنت بأنه يحب أن يقدم ثأراً بارداً، تخدير الفريسة والانقضاض عليها كالبرق في يوم عاصف. في 2008 عندما كان قائدا للمنطقة الجنوبية، انتظر على مدى أسابيع الى أن خفضت "حماس" مستوى التأهب، وعندها فاجأها بضربة أليمة على نحو خاص عندما بدأ حملة "الرصاص المصبوب".
يوم الاثنين الماضي نضجت الظروف: ذهب الأهداف الثلاثة للنوم في بيوتهم. وأشارت المعلومات الاستخبارية الى أنه يحتمل أن ينام معهم أبناء العائلة أيضاً. محقق العمليات في سلاح الجو، المسؤول عن اختيار الذخيرة للهجوم ونوع وسائل التنفيذ، قال إنه يحتمل أن تكون هناك إصابة لشقق مجاورة أيضاً. عرضت هذه المعلومات على رئيس الوزراء، الذي أذن بالعملية مع تحفظ على الإصابة لاكثر من عشرة غير مشاركين. المستشارون القانونيون أقروا بأن القرار يجتاز اختبار التوازن في القانون الدولي.
استوفت نتائج الهجوم هذا المستوى، وكانت أسوأ مما توقعوا في سلاح الجو. فإلى جانب الأهداف الثلاثة، الذين صفوا في وقت واحد، قتل أيضا أربعة أطفال، اربع نساء، وطبيب كبير في السن وابنه أيضا. معظم القتلى أبناء عائلات الأهداف، ولكن أصيب أيضا أناس كانوا في شقق مجاورة. في سلاح الجو يحاولون الآن أن يتعلموا، على أساس الصور الكثيرة التي وصلت من غزة، هل أخطؤوا في اختيار السلاح أم وسائل إطلاقها، ما أدى الى النتيجة القاسية.
ومع ذلك، سلاح الجو ورجاله، الذين كانوا في الأسابيع الأخيرة في عين العاصفة الجماهيرية وهدفاً لتشهيرات سياسيين عديمي كل مسؤولية، هم الذين حملوا على أكتافهم هذه الحملة، في الهجوم وفي الدفاع، الى جانب الاستخبارات الفائقة التي وفرها رجال "الشاباك" وشعبة الاستخبارات. في لحظة الحقيقة، ورغم كل ما حصل هنا في الأشهر الأخيرة، امتثل سلاح الجو بكامل قوته البشرية، وأثبت مرة أخرى أنه الجهاز الوحيد في اسرائيل الذي يعرف كيف ينفذ بدقة وبنجاعة قصوى كل مهمة تكلفه بها الدولة.

دائرة سحرية
تغلب مقاتلو الدفاع الجوي في سلاح الجو على الخلل الذي ظهر في "القبة الحديدية"، الأسبوع الماضي، ونجحوا في اثناء الحملة في منع خسائر في الأرواح في الجانب الإسرائيلي. يوم الأربعاء، عندما أُطلق صاروخ نحو تل ابيب، تقرر أن تختبر به منظومة "العصا السحرية"، المنتشرة في تشكيلة دفاعية قطرية. لم تكن "العصا السحرية" معدة لاعتراض الصواريخ من غزة، بل بنيت كي تتصدى لتهديدات من أنواع أخرى – صواريخ مناورة أو جوالة. كلفة صواريخ الاعتراض فيها عالية جدا؛ نحو مليون دولار لصاروخ الاعتراض. في المرة السابقة، التي تقرر فيها استخدام "العصا السحرية" في حدث عملياتي حيال تهديد بالستي، أخطأت الهدف. وعليه، في هذا الأسبوع، حين ظهر الاخطار بصاروخ من غزة نحو تل ابيب، تقرر تجربتها مرة أخرى.
"كلفة تجربة الاعتراض هي ملايين الدولارات"، قال مصدر في سلاح الجو، "وكلفة اعتراض كهذا، في ظروف عملياتية، هي مليون دولار فقط، لكن عرفنا أن النجاح سيعطي مستخدميها ثقة بالنفس لا يمكن لأي تجربة أن تمنحهم إياها". ولهذا فقد تقرر تجربتها، وهذه المرة هناك كان نجاح أيضا. هذا تعزيز ذو مغزى أيضا للثقة بالنفس لمستخدمي "العصا السحرية" في المنظومة، وكذا لقدرة إسرائيل على استخدامها.
انطلقت حملة "درع ورمح" على الدرب على أساس الفهم بأنه لا إسرائيل ولا "حماس" معنيتان بمواجهة واسعة في هذا الوقت. رغم أن كل حكومات إسرائيل، بما فيها الحالية، تعلن أنها ترى في "حماس" الجهة المسؤولة عما يحصل في القطاع، فان هذه هي الحملة الثالثة التي تختار فيها إسرائيل أن تضرب الأخ الصغير لـ"حماس" وألا تتورط مع الأخ الكبير والقوي. يبدو أن "حماس" أيضا لم يكن صعبا عليها في هذه المرة أيضا ضبط النفس، وأن تقف جانبا، بينما نضرب "الجهاد الإسلامي".
استهدفت الحملة إعادة صياغة معادلتي ردع متواضعتين: إسرائيل لن تقبل بسكينة رد فعل غير متوازن من غزة على احداث كموت سجين في السجن، وألا تكون حصانة لمن يوجه من غزة "إرهابا" في مناطق الضفة. ستوضح الأشهر القريبة القادمة اذا كانت هاتان الرسالتان قد استوعبتا بنجاح. يوم القدس، الذي يصادف في الأسبوع القادم، ومعه "رقصة الاعلام" الاستفزازية، حيث سيكون اختبارا اول لمسعى إسرائيل الفصل بين غزة والقدس والضفة.

عن "معاريف"