في الخامس عشر من أيار كل عام يحي شعبنا الفلسطيني في كل مكان الذكرى السنوية للنكبة الكبرى التي حلت بشعبنا الفلسطيني عام 1948 تلك النكبة التي ما زال شعبنا الفلسطيني يئن تحت وطأة اثارها الدامية ووقائعها المؤلمة ،إنها الذكرى المؤلمة التي حلت بشعبنا الفلسطيني قبل ٧٥ عاماً حيث أقتلع من أرضه وطنه وطرد من بيوته في أوسع وأبشع عملية تطهير عرقي شهدها العصر الحديث، في ذلك اليوم اكتملت فصول المؤامرة التي حاكتها العصابات الصهيونية بالتواطؤ مع الامبريالية العالمية والمملكة المملكة المتحدة التي كانت منتدبة على فلسطين انذاك ،في تلك الأيام السوداء نجحت العصابات الصهيونية بمساندة دولة الانتداب والعديد من الدول الامبريالية الناشئة في حينه ليس فقط بسرقة أرض بلا شعب كما كانوا يدعون، بل استولوا على دولة فلسطين التي كانت قائمة بمؤسساتها المختلفة على الأرض وشعبها آمن يسعى لاستقلاله أسوة بالشعوب المجاورة التي تحقق لها ما أرادت.
اليوم ونحن نحيي ذكرى النكبة لا بد من قدح الذاكرة بالتركيز على ما تناولته مراكز الأبحاث والدراسات والاجيال التي مازالت على قيد الحياة واكدت جميعها أن العصابات الصهيونية وبالاستناد الى لما توفر لها من دعم قامت بطرد أصحاب الأرض الأصليين في أوسع عملية تطهير عرقي منذ الحرب العالمية الثانية، فقد قاموا باغتصاب دولة الشعب الفلسطيني التي كانت قائمة بالفعل لكنها خاضعة للانتداب البريطاني الذي خالف بكل اسف ما جاء في نص صك الانتداب بضرورة مساعدة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحرمت الشعب الفلسطيني من حقه في الاستقلال أسوة بشعوب البلدان المجاورة التي نالت استقلالها بعد ان كانت خاضعة للاستعمار ، ولم يقتصر دور بريطانيا على التآمر والتواطىء هذا فحسب بل وفرت أيضا للحركة الصهيونية وفقاً لوعد وزير خارجيتها اللورد بلفور المشئوم كل فرص وعوامل النجاح بدءا من توفير السلاح والعتاد وإقامة عشرات معسكرات التدريب للمجندين اليهود، علاوة على تسهيلها لحركة الهجرة واستيعاب عشرات الالاف من اليهود في العالم وإسكانهم في فلسطين، ومارست في نفس الوقت كل أشكال البطش والعنف الوحشي ضد أصحاب الأرض الحقيقيين وحرمتهم من أي وسيلة للدفاع عن حقوقهم لمواجهة الخطر الداهم الذي كان ينمو ويتصاعد أمام ناظريهم، وقد قاوموه بشجاعة وبسالة نادرة في محاولة لمنع الحركة الصهيونية من تحقيق أهدافها، لكنها نجحت اخيرا في تحقيق مشروعها باغتصاب الوطن وتهجير الشعب فلسطين .
اليوم مرة اخرة وفي ذكرى النكبة فإن الحقيقية التي لا يمكن لاحد انكارها تتجدد مؤكدة ان فلسطين لم تكن ارضا بلا شعب كما يدعون فقد ضمت حتى العام 1945 ألف وثلاثمائة تجمع بين قرية ومدينة وبلدة يتجاوز عدد سكان معظمها الآلاف بينما لم يكن للصهاينة حتى ذلك إلا 181 مستعمرة لا يزيد عدد سكانها عن المئات أقاموها بالتواطؤ والتزوير البريطاني، ومع استمرار الدعم والتسهيلات جرى استقدام مئات آلاف اليهود من شتى أصقاع الأرض وجرى تنظيمهم برعاية الجيش البريطاني وتدريبه في عصابات الارغون وشتيرن والهاغناة التي قامت بشن حربا وحشية وحملات إبادة وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني إلى أن تمكنت هذه العصابات في منتصف أيار عام 1948 من سرقة الوطن وهو ما نسميه بحق( النكبة الكبرى)، في هذه النكبة سرقوا الوطن الذي كان قائما بمؤسساته وطردوا شعباً كان يسعى للاستقلال أسوة بجيرانه وقد خاض هذا الشعب كفاحا مريرا لكنه لم ينجح نظرا لحجم وطبيعة القوى المتآمرة على فلسطين .
اليوم ونحن نتحدث عن النكبة والوطن الذي سرق لابد للعالم اجمع أن يعلم بأن فلسطين لم تكن خالية من السكان كما يزعم الصهاينة بل كانت دولة قائمة تخضع لانتداب لعب دورا تآمريا في حرمان شعبها من الاستقلال، وتشير مختلف الدراسات والأبحاث المحكمة بأن الصهاينة سرقوا وطن وأقاموا دولتهم العنصرية على مؤسسات دولة كانت قائمة، فقد كان في فلسطين إبان الانتداب1700 منشأة حكومية من نوادي ومباني ومؤسسات صناعية وغيرها، وكانت فلسطين تعتبر من أكثر الدول المجاورة تقدماً في المجالات التجارية والصناعية والزراعية فقد ضمت 500 مؤسسة عاملة في عدة مجالات ، وتميزت فلسطين بموقعها الجغرافي المميز الذي كان يربط البلدان المجاورة بشبكة من السكك الحديدية وفيها 41 محطة للقطار و700 كيلو متر من السكك الحديدية، إضافة إلى 31 مطاراً و 6000 كيلو متراً من الطرقات المعبدة و37 معسكراً للجيش البريطاني سلمت معظم هذه المعسكرات ومعداتها للصهاينة الغزاة الذين استخدموها في حربهم لإبادة شعبنا وتهجيره عن وطنه.
في تلك النكبة التي ما زالت استولى الصهاينة أيضا في حينه على 2000 معلم تاريخي من المساجد والمقابر والاديره والكهوف ومراكز الآثار، وفلسطين التي سرقوها كانت غنية أيضا بمصادر المياه وعذوبتها وفيها آنذاك 3650 مصدراً للمياه، ومن أجل السيطرة على كل هذا استخدمت العصابات الصهيونية كل وسائل الإبادة من قتل وتدمير واغتصاب وحرق الناس ودفنهم أحياء ، وقد أثبتت ذلك الدراسات التي صدرت مؤخراً بما فيها تلك التي صدرت عن الكتاب والباحثين الإسرائيليين ممن استيقظت ضمائرهم بعد صمت فأشاروا إلى أن 90% من القرى الفلسطينية نزح سكانها تحت وطأة التعرض لهجمات عسكرية جرت أثناء وجود الانتداب البريطاني وتحت حمايته، ومع حلول شهر أيار عام 1948 و الإعلان رسمياً عن قيام دولة الاحتلال تم طرد النسبة المتبقية التي تمثل 42% من السكان وقد استكملت عملية طرد العدد المتبقي الذي يمثل 6% بعد ما يسمى اتفاقات الهدنة. هذه اليوم ونحن ومعنا كل الاحرار في العالم نحيي ذكرى النكبة بعد ٧٥ عام على العالم واصحاب الضمائر الحية ان يدرك بان العصابات الصهيونية ارتكبت في حربها ضد شعبنا أبشع المجازر التي عرفتها الإنسانية حيث دمرت أكثر من 700 قرية وبلدة مسحتها بالكامل عن الأرض ونفذت ما بين عامي 1947و1949 فقط 247 حادثة قتل وأباده منها 141 مذبحة تعتبر 70 منها في إطار المذابح الكبرى و 71 في إطار المتوسطة ، بهذا الإرهاب الغير مسبوق الذي قامت به العصابات الصهيونية وما تزال تمكنت عام 1948 من إتمام حلقات فاصلة وهامة من فصول مؤامراتها القاضية باحتلال كل فلسطين وطرد أهلها الذين تحولوا إلى لاجئين فاق عددهم هذه الأيام سبعة ملايين لاجئ تناثروا في اتجاهات متعددة إلى كل من لبنان والأردن وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة والى العديد من دول العالم الأخرى، من خلال ما تقدم فان لغة الأرقام التي أشرنا لها أعلاه والعديد مثلها ما زالت تختزنه ذاكرة الأجيال وتؤكده مراكز الأبحاث والدراسات بشكل جلي أن دولة الاحتلال قامت بسرقة دولة قائمة بذاتها وشردت شعباً قلبت حياته رأسا على عقب
في هذه الأيام من شهر آيار حيث تمر ذكرى النكبة هذا الجرح الغائر في الجسد الفلسطيني نقول بالرغم من مرور العقود السبعة ونصف وما خلفته من آثار مؤلمة سيبقى يعاني منها إلى أن يتعافى، وهذا لن يتم الا بتحقيق حقوقه العادلة في العودة والحرية والاستقلال.
وإن شعبنا الفلسطيني ورغم ما اصابه من جراح وألم لم ولن يستسلم للوقائع التي فرضتها دولة الاحتلال كنتاج للنكبة وما زال يواصل مسيرتة الكفاحية متمسكا بحق العودة الي تلك الديار التي شرد منها وعلى طريق ذلك فقط أسقط شعبنا العشرات من مشاريع التوطين التي استهدفت قضية اللاجئين وتمكن شعبنا خلال سنوات كفاحه الطويل منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية التي شكلت ذروة التحدي الفلسطيني في مواجهة النكبة واستطاع إعادة تشكيل هويته الوطنية وإبراز كيانه السياسي الموحد المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية التي تتعرض اليوم ايشاً لمؤامرة التصفية بعد ان مثلت الهوية والكيان لشعبنا وتعززت مكانتها على كافة الأصعدة وحظيت باعتراف عربي و عالمي في دعم وتأييد حقوق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعودة لاجئيه طبقا للقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة .
اليوم نتحدث هذه الأيام عن النكبة لابد لنا من أن نشير ونحذر من مخاطر تشكيل حكومة اليمنين الفاشي المتطرفة بزعامة نتنياهو التي اقرت في برنامجها تنفيذ خطة الحسم التي فشلت في تنفيذها كل الحكومات السابقة لاستكمال فصول النكبة التي لم تكتمل بعد وفق المنظور الصهيوني فما زال الهدف الصهيوني يتركز على شطب الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته ،، و اليوم يتصاعد هذا المسعى لوتيرة العدوان وزيادة وتكثيف التوسع الاستيطاني ومواصلة عمليات القتل بدم بارد والاعتقال والحصار بهدف ابقاء السيطرة الكاملة للاحتلال على أوسع مساحة من الأرض واقل عدد من السكان، هذا بالإضافة لاستهدافقضية اللاجئين والسعي لتصفيتها عبر إلغاء دور الاونروا كتجسيد للالتزام الدولي بقضية اللاجئين وحق العودة، ناهيك عن مخطط الاحتلال أيضا بالدفع نحو تحويل مئات الآلاف من أبناء شعبنا في الداخل إلى لاجئين جدد بموجب قانون القومية العنصرية التي تهدف الى اقتلاع الجزء المتبقي من شعبنا فوق ارضه . كما وتعمل دولة الاحتلال لاستغلال استمرار حالة الانقسام وكثف مسعاها لتحويله لانفصال تام يجعل من قطاع غزة مركزا لحل القضية الفلسطينية على حساب ضم القدس واجزاء واسعة من الضفة بما يقطع الطريق على حق شعبنا في اقامة دولته الفلطسينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس . اليوم يحي شعبنا الفلسطيني ومعه العالم اجمع ذكرى النكبة خاصة بعد ان قررت الجمعية العامة للامم المتحدة احياءها من داخل قاعات الجمعية العامة ان هذا يمثل اعترافاً بالكارثة والنكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني كما يمثل في نفس الوقت اعترافاً من الامم المتحدة بعجزها عن تنفيذ قراراتها التي اعقبت النكبة خاصة القرار ١٩٤ القاضي بعودة اللاجئين الى ديارهم انها مسئولية الامم متحدة والعالم اجمع اليوم ونحن نحيي ذكرى النكبة يتطلع شعبنا لكل محبي العدل والحرية والاستقرار في العالم بالوقوف الى جانب شعبنا ومناصرته من اجل نيل حقوقه ضمانه لتنفيذ العدالة وحرصاً على تحقيق السلام الذي لن يتحقق الا باعادة الحق الذي سلب لاصحابه الذين سيتمسكون به .