أول من أمس، على الأقل قبيل منتصف الليل، كان يبدو أن حملة "درع ورمح" وصلت نهايتها بين إسرائيل و"الجهاد الإسلامي" بوساطة مصرية. وسواء بقي وقف النار على حاله أم لا، يمكن منذ الآن أن نعرض الدروس التي تعلمناها – ليس فقط من هذه المواجهة ومن مواجهات سابقة مع غزة، بل أيضا من مواجهات مشابهة مع "حزب الله" في التسعينيات.
أولاً، من المهم أن نميز بين نوعين من الحملات: تلك التي غايتها محدودة وهي الحفاظ على الوضع القائم، وتلك التي غايتها تغيير الوضع من أساسه. بطبيعة الأحوال فإن الإنجاز الممكن للنوع الأول من الحملات هو إنجاز متواضع، بينما تنطوي حملة – أو حرب – غايتها تغيير الوضع من أساسه على مخاطر، خسائر، وأثمان باهظة. من المحظور أن يغرينا شيء فنعتقد أنه يمكن تغيير الوضع من أساسه، مثلما في النوع الثاني من الحملات، مع دفع ثمن متدن ولمدى زمني قصير مثلما هو في نوع الحملات الأول. من الواضح تماما أن الحملة الحالية تنتمي، مثل سابقاتها، للنوع الأول.
ثانيا، يعتبر استمرار الواقع القائم – جولة عنيفة في كل سنة بالمتوسط – أمرا لا يطاق، وهنا يمكن التفكير باستراتيجية أخرى، لكن بحثا كهذا من المحظور أن يتم في إطار حملة ما، بل قبلها. عندما تفحص إمكانيات أخرى، لا يكفي القول كم هو الوضع القائم لا يطاق، بل إن تطرح خطوة كاملة قد تخلق واقعا افضل.
ثالثا، من المهم – وقبل اتخاذ القرارات – الوصف السليم للواقع. وبالفعل، الواقع هو أن غزة أصبحت منذ زمن بعيد بحكم الأمر الواقع دولة مستقلة، بينما حكومتها – حكومة "حماس" – توجد في توتر بين مصلحتين: الأولى ضمان الحياة الطبيعية لسكان غزة، والثانية، الحفاظ على مقاومة إسرائيل والتحول إلى زعيمة الفلسطينيين في "يهودا" و"السامرة" أيضا. في إسرائيل توجد قدرة على دفع "حماس" لتفضل المصلحة الأولى، وكلما وسعنا "الجزر الاقتصادي" في أيام الهدوء، هكذا ننجح اكثر.
رابعا، في كل مواجهة مع منظمة "إرهابية"، في هذه الحالة "الجهاد الإسلامي"، لا توجد أي أهمية لمسألة من كان آخر من أطلق النار. إذا نجحنا في أن نضرب أهدافا نوعية للطرف الآخر والرد بالنار، حتى وان كانت مكثفة، ولم توقع إصابات، فهذا بالضبط الوقت لإنهاء الحدث ويبدو أن سبق مرتين على الأقل أن كنا في مثل هذا الواقع في أيام القتال.
خامسا، لإسرائيل توجد دوما مصلحة لإنهاء الحدث بسرعة، بينما للطرف الآخر مصلحة لمواصلة المواجهة. من ناحيتنا، حتى لو لم نعترف دوما بذلك، توجد بشكل عام منفعة هامشية متضائلة من هجمات إضافية، بينما من ناحية العدو، كل يوم تجلس فيها نصف دولة في الملاجئ هو إنجاز آخر في تثبيت قدرة صموده.
سادسا، ينبغي أن نكون أكثر حساسية لعدد المصابين غير المشاركين، نساء وأطفالا، في الطرف الآخر. هذا لا يعني أن الحملة لم تكن مبررة، لكن كان يمكن التوقع من المتحدثين الإسرائيليين أن يعربوا عن تعاطف اكبر مع المدنيين الذين قتلوا في غزة.
سابعا، يجب أن يتوقف النهج المحرج الذي يكرر نفسه في كل حملة، والذي درج فيه رئيس الوزراء ووزير الدفاع – وهذه المرة جر معهما أيضا رئيس الأركان ورئيس "الشاباك" – على إدارة مؤتمرات صحافية كثيرة الثناء الذاتي ورسائل التهديد. هذا ليس جديرا، هذا ليس محترما، ليس مقنعا، يلحق ضررا بالعالم – وإذا ما تعقدت الحملة أيضا، فإن المؤتمرات الصحافية تلك ستبدو مسرحيات مثيرة للشفقة.
ثامنا، الجيش ينفذ تحقيقا بعد كل حملة. وبالتأكيد سيجري ذلك أيضا في نهاية الحملة الحالية. غير أنه لا يجري في أي مرة تحقيق حقيقي مع القيادة السياسية أيضا.
كل النقاط الثماني التي عرضت هنا تعلمناها جيدا في التسعينيات، وبالتأكيد في العقد الأخير، لكن يبدو أن القيادة السياسية تتعلمها في كل مرة من جديد؛ خسارة.
عن "يديعوت"