تُبرز نهاية حملة "درع ورمح" الفجوة الكبرى بين الإنجازات على المستوى التكتيكي وبين الميزان الاستراتيجي حيال قطاع غزة. لم تحاول إسرائيل بلورة استراتيجية متماسكة حيال غزة منذ 2006، عندما فازت "حماس" في الانتخابات الأخيرة، وهي تتدحرج من جولة إلى جولة. الفصل الإضافي في السمفونية، التي لا تنتهي، يبشر بالفصل التالي، ويقصر المسافة الزمنية إليه.
والى ذلك، تتعزز حركة "حماس"، وتحسن مكانتها في المنافسة مع "فتح" والسلطة الفلسطينية، في ظل تعزيز قدراتها في جبهات أخرى، وهي تنجح في ان تصب مزيدا من المضمون والمعنى في استراتيجية تعدد الجبهات، والتي كان تعبيرها البارز في حملة "حارس الأسوار". تنخرط استراتيجية "حماس" في استراتيجية تعدد الجبهات الإيرانية، فيما تتعزز العلاقات بينهما، ويتعاظم الدعم الإيراني لـ"حماس"– سواء بالتمويل، أو بوسائل القتال أو بالعلم التكنولوجي أو بإلهام "حزب الله" لتثبيت الجبهة في جنوب لبنان. وفوق كل شيء، تثبّت "حماس" مكانتها كصاحبة السيادة في قطاع غزة، التي بإرادتها تسمح لـ "الجهاد الإسلامي" بأن يعمل من القطاع وبإرادتها تقيده، مع العلم ان إسرائيل ستبذل كل جهد مستطاع كي تمتنع عن معركة عسكرية.
وفي الوقت ذاته نجح "الجهاد الإسلامي" في تثبيت قدرة انتعاش سريعة نسبياً بعد حملة "بزوغ الفجر"، حيث ربط بين الساحات باختياره الرد بنار الصواريخ من غزة على موت سجين أمني في السجن الإسرائيلي، أجبر إسرائيل على معركة أطول مما أرادت، وشوّش سير الحياة لعدد كبير من السكان الى ما وراء غلاف غزة أيضاً، فيما يعمل بتكليف من سيده الإيراني الذي رأى في المعركة المتواصلة مساهمة مهمة لمصلحته الواسعة والشاملة.
تضعف نتائج الحملة السلطة الفلسطينية أكثر مما تضعف "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وعودتها الى حكم فاعل في قطاع غزة تبدو خيالية أكثر من أي وقت. لا مصر ولا أي دولة عربية أخرى ستكون مستعدة لتدخل لتتسلم السيادة في القطاع، كما أن الأسرة الدولية أيضاً لن تتمكن من تقديم جواب على شكل نظام وصاية، قوة حفظ السلام وبناء دولة او أي آلية مشابهة أخرى.
المعنى هو أن إسرائيل بقيت وحدها أمام تحدي غزة، وأمامها أربعة بدائل أساسية: استمرار الوضع القائم، أو معركة عسكرية واسعة النطاق لغرض القضاء على البنية التحتية العسكرية لـ"حماس"، أو تصميم مسيرة سياسية بالتعاون مع الدول العربية المهمة وبإسناد الولايات المتحدة والأسرة الدولية، لغرض إعداد البنية التحتية لبناء دولة فلسطينية تؤدي مهامها كأساس لتسوية الدولتين القوميتين، وتوسيع التسوية مع "حماس"، من خلال الدخول في مسيرة حوار متسارعة وواسعة تشارك فيها أيضا مصر، قطر، ودول اتفاقات إبراهيم بإسناد سعودي، أميركي ودولي. الغاية الاستراتيجية لهذا البديل هي هدنة طويلة المدى مقابل إعادة بناء واسع للقطاع، وفتحه على العالم من خلال مطار وميناء، وتنفيذ صفقة الأسرى والمفقودين واتفاق عدم تعاظم عسكري برقابة قوة عربية مشتركة.
في اختبار الواقع المتشكل يحتمل أن يكون البديل الرابع يحتل المكان الأول وهو الإمكانية الأقل سوءاً. لما كانت إسرائيل على أي حال تدير حواراً متواصلاً مع "حماس" في كل ما يتعلق بسير الحياة اليومي لقطاع غزة، ولما كانت ترى فيها العنوان المسؤول عن إدارة المنطقة وسكانها، ولما كانت "حماس"، التي اجتازت مسيرة مأسسة، وفي إطارها تبنت أكثر فأكثر ممارسات الدول الضرورية لإدارة المنطقة والسكان، تبدي مسؤولية اكبر أيضا، وتفرض على نفسها مزيدا من الكوابح والقيود، يبدو أن على إسرائيل على الأقل ان تنظر في هذه الإمكانية.
عن "يديعوت"