الاعتراف بالنكبة اعتراف بالحقوق التاريخية

BGh5Q.jpg
حجم الخط

بقلم طلال عوكل

 

 


للمرّة الأولى منذ خمسة وسبعين عاماً، يصحُو الضمير العالمي ويعترف بحقيقة ما جرى العام 1948، ويتبنّى إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني في توقيت وقوعها كلّ عام.
ابتداءً من هذا العام، سيتمّ إحياء ذكرى النكبة، بعد تخصيص يوم من كلّ عام للتضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته.
مُجرّد أن تعترف الأُمم المتحدة، بأغلبية أعضائها، بتبنّي يوم لإحياء النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني، فإنّ ذلك يعني ضمنياً وصراحةً، تبنّي الرواية التاريخية الفلسطينية وإنكار الرواية الإسرائيلية المزيّفة.
كان متوقعاً ومعلوماً أنّ اتخاذ مثل هذا القرار، الذي يصيب في القلب الرواية الإسرائيلية لن يُرضي الدول التي ساهمت مباشرةً في وقوع النكبة، وخلقت الكيان الصهيوني المزيّف، وان ثمة أتباعا آخرين ممّن يقعون تحت هيمنة الدول الاستعمارية، سيقفون ضد القرار، وسيمتنعون عن حضور الفعالية، وخطاب الرئيس محمود عبّاس.
خطاب الرئيس جاء شاملاً، وجريئاً في تسمية الأمور بمسمّياتها وجاء ليُعيد الاعتبار للرواية الفلسطينية بكلّ أبعادها التاريخية ما يستلزم مباشرةً إعادة اعتماد خارطة فلسطين التاريخية دون التقسيمات الجغرافية التي درج الفلسطينيون عليها منذ اتفاقية أوسلو.
ربّما جاء قرار الأمم المتحدة في وقته، من حيث تولّدت قناعة عامّة لدى الرأي العام العالمي، بأنّ إسرائيل التي تتنكّر لقرارات الشرعية الدولية، ورفضت وترفض تلبية شروط الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة العام 1948، هي دولة احتلال عنصري فاشي وأنها دولة إرهاب ترفض السلام، وتسعى للسيطرة على كلّ أرض فلسطين التاريخية.
إذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك فإنّ السياسة الفلسطينية ينبغي أن تغادر خطاب ومسعى البحث عن سلامٍ لن يأتي، وعن دورٍ ترعاه إسرائيل لن يأتي، ذلك أن الإقرار بوقوع النكبة هو إقرار بالظروف التي أدّت إليها والدول التي ساهمت في وقوعها.
لقد حان الوقت لسحب الاعتراف بإسرائيل، والسعي للتخلُّص من آثار ونتائج اتفاقية أوسلو، حيث أمكن ودون التضحية بما تَحقّق من مكتسبات إن كانت موجودة.
وقد حان الوقت، أيضاً، للسعي الجدّي والمسؤول لإنهاء الانقسام بعد أن أكدّ الشعب الفلسطيني وحدته، بالرغم من استمرار الانقسام الفوقي على المستوى السياسي.
خلال العدوان على الشعب الفلسطيني في غزّة، الأسبوع المنصرم، كان الكلّ مُوحَّداً، من موقع المواجهة للعدوان، كلّ بأسلوبه وكلّ وفق رؤيته وأدواته التعبيرية.
والشعب الفلسطيني كلّه وفصائله وقياداته مُوحَّد في مواجهة العدوانات المستمرة على الضفة الغربية والقدس، فلقد وحَّدت العنصرية الفاشية الصهيونية كلّ الشعب الفلسطيني رغم ما يبدو من خلافات واختلافات في الأداء والخطاب.
من غير المنصف ولا المفيد أن تنساق النُّخَب الثقافية والسياسية، خلف الأسئلة التي تشكّك في هذا الفصيل أو ذاك، أو تداول خطابات ومنطق التبرير، أو التشفّي أو التهرُّب من المسؤولية، ذلك أن بشاعة الاحتلال، لا تدع مجالاً لخطابات الانقسام، ولأن مصلحة إسرائيل تكمن في خلق وتعميق الانقسام وإدامته.
الشعب الفلسطيني لا يشبه أبداً مجتمع اللقطاء، فهو شعبٌ مُوحَّد مُتجذّر من جين واحد، لا مكان له سوى هذه الأرض بينما مجتمع الاستعمار الاستيطاني، يتكوّن من جينات كثيرة مختلفة، من السهل وقوع الانقسام بينها، وعودتها إلى حيث أتت.
الواقع الراهن في دولة المستوطنين يقول ذلك صراحةً، حيث يعاني من أزمةٍ عميقة لا حلّ لها، ألا بتفكّك المجتمع وأدواته، مجتمع تعلو فيه لغة الأنا، والمصلحة الشخصية والخاصة، مجتمع قد لا يكون بعيداً من حيث الوقت عن اندلاع حرب أهلية بشّر بها، كثير من المسؤولين بمن في ذلك الرئيس إسحق هيرتسوغ.
في هذا اليوم الخميس، تُقدّم إسرائيل عَبر حكومتها، ومستوطنيها صورتها الحقيقية البشعة مخالفةً بذلك كلّ قرارات الأمم المتحدة، ومخالفةً بذلك، أيضاً، تحذيرات حُماتها الأميركيين، وغير الأميركيين.
تُحضّر إسرائيل، لإقامة "مسيرة أعلام" صاخبة، استفزازية، تستهدف رسم مشهدٍ انتصاري بعد ورطتها مع المقاومة في قطاع غزة والضفة، ولتأكيد وترسيم سيطرتها على القدس درّة التاج، ومحور الصراع.
أربعة وزراء حتى، يوم أمس، أعلنوا مشاركتهم في المسيرة، إلى جانب ألفي شرطي، وثلاثة آلاف جندي تم نشرهم في القدس، لحماية عشرات آلاف المستوطنين مع إصرار على أن تتّخذ المسيرة، خطَّ سيرٍ من باب العامود إلى الحيّ الإسلامي، فحائط البُراق نهاية باقتحام المسجد الأقصى.
ثمة إصرار إسرائيلي على ارتكاب حماقة كبرى، فثمة نفير فلسطيني يبدأ من المقدسيّين، ويُشارك فيه عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة وأراضي 1948.
تعتقد إسرائيل، دون أن تظهر تراخياً، أنّ المقاومة في غزة، لن تدخل على خطّ المواجهة، لإفشال "مسيرة الأعلام" فهي أصلاً شنّت العدوان على غزّة في الأسبوع الماضي، لظنّها أنّها ستكون استنزفت المقاومة مسبقاً، بحيث لا تقود ولا ترغب في أن تخوض مثل هذه المواجهة خلال أيام قصيرة.
إذا كان الشعب الفلسطيني في القدس والضفة، وأراضي 1948 مستنفرا بكلّ قواه، وفئاته، فإنّ الشعب الفلسطيني في غزة، لا يمكن أن يكون خارج هذا الحساب.
الناس، المواطنون في غزة، بالرغم من جراحهم يتساءلون منذ أن توقّف إطلاق النار يوم السبت، أوّل هذا الأسبوع، إذا ما كانت نهاية الأسبوع ستشهد جولةً أخرى من المواجهة.
فضلاً عن ذلك، فإنّ فصائل المقاومة، حذّرت هي الأخرى بصريح العبارة من تمادي إسرائيل في الاستفزاز، والكلّ يعرف أنّ الفصائل لا تزال بألف خير، ولا تزال تمتلك القدرة على المجابهة انتصاراً للحقّ والقدس والأقصى.