أعاد مفتاح باب المغاربة بعد أن سرقه 56 عاماً!

نير حسون.jpeg
حجم الخط

بقلم: نير حسون

 

في 7 حزيران 1967 كان يئير براك (24 سنة) أحد المظليين الذين دخلوا باحات الحرم. يوم الأحد الماضي قبل أربعة إيام على إحياء يوم توحيد القدس الـ 56 جاء مرة اخرى الى الحرم للمرة الثانية منذ الحرب. ومثل الزوار اليهود الآخرين دخل من باب المغاربة، لكن خلافاً لهم لم يقم بالتجول في منطقة الحرم، ولم يقم بالصلاة. ذهب من الباب مباشرة بمرافقة موظف الأوقاف الإسلامية ومراسلين الى مكتب الشيخ عزام الخطيب، مدير عام الأوقاف الإسلامية. في المكتب المصنوع من الخشب، والذي علقت فيه صورة الملك حسين والملك عبد الله، جرى احتفال قصير، أعاد فيه براك لعزام الخطيب مفتاحاً كبيراً كان يستخدم لإغلاق باب المغاربة، حيث كان غنيمة أخذها في يوم احتلال الحرم. شكر الخطيب براك على المفتاح، وقال إن المفتاح عاد لأصحابه الشرعيين.
"في العام 1967 كنت في الكتيبة التي دخلت شرقي القدس. مشيت في طريق الآلام، ودخلت الى هنا، ووصلت الى باب المغاربة. رأيت هذا المفتاح معلقاً على الجهة اليسرى. قمت بإنزاله، في الواقع سرقته"، قال براك للشيخ عزام الخطيب والشيخ عمر الكسواني، مدير المسجد الاقصى. "تقدمت من الباب ووضعت المفتاح في الثقب وقمت بإدارته وأغلقت الباب، وفتحت القفل، ثم فتحت الباب ونزلت الى اسفل. هذا المفتاح كان لدي حتى الآن. اكثر من مرة أردت إعادته لأنه ليس لي، بل هو للأوقاف. قبل شهر قررت فعل ذلك".
تم تغيير باب المغاربة بعد أن فحص براك القفل قبل 56 سنة، ومفتاح الحديد الكبير لم يعد بالإمكان استخدامه لإغلاقه. ولكن هناك أهمية رمزية كبيرة. بالنسبة لبراك ترمز اعادة المفتاح الى أن إسرائيل يجب عليها اعادة كل ما أخذته في حرب "الأيام الستة".
كان المفتاح واحداً من ثلاث غنائم أخذها براك، (سرقها حسب تعبيره)، في حرب "الايام الستة". الاشياء الأخرى هي بندقية كاربين لجندي أُردني قتل في البلدة القديمة، ومنفضة سجائر لشركة الطيران الوطنية السورية، وجدها في فندق في شرقي القدس.
بدأت حرب "الأيام الستة" لديه بأيام مملة من الانتظار في قواعد تجمع لواء المظليين. "صرخ الجميع بأنهم يريدون العودة الى البيت"، قال. "في نهاية المطاف أحضرونا الى بيارة مهملة قرب جفعات برنر وقالوا لنا إن الحرب ستبدأ في صباح الغد، ونحن يجب علينا الهبوط في مدينة العريش في سيناء. ربطوا لنا المظلات والمعدات. ولكن في هذه الاثناء وصلت فرقة إسرائيل طال الى هناك، ولم يعودوا بحاجة إلينا. عندها قلنا بأن الاردنيين يطلقون النار على القدس ونحن سنذهب الى القدس. سافرنا في كل الطرق المتعرجة، وأنزلونا في بيت هكيرم".
في اليوم التالي دخلت وحدة براك الى المعارك في الشيخ جراح، وقد قتل اثنان من أصدقائه بنار القناصة في الحي. من هناك تم نقل الفصيل الى جبل الزيتون.
"دخلت فندق الانتركونتننتال. وكما أذكر كانت كل الطاولات معدة لتقديم وجبة. بدأت انزل الى اسفل (الى البلدة القديمة)، فجأة وجدت نفسي وحدي ولم أعرف أين ذهب البقية. دخلت من باب الأسباط، لم أكن بين الأوائل. أطلق القناصة النار علي من احد الأزقة. ولكن كما ترى ما زلت على قيد الحياة. توجهت نحو اليسار ودخلت الى الحرم. شاهدت قبة الصخرة وأدركت ما الذي أراه. بعد ذلك قررت الذهاب الى حائط المبكى"، قال. "وصلت الى الباب التالي، وتبين أنه باب المغاربة. هناك شاهدت المفتاح معلقاً. لم أعرف لماذا قررت أن آخذه. ذهبت الى حائط المبكى وفي غضون ربع ساعة وصل الحاخام غورن مع حاشيته".
استمر براك في القول: "لم يكن لي أي ارتباط أو أي صلة بحجارة حائط المبكى. شاهدت الناس يدخلون أوراقاً الى الداخل وسألت ما هذا؟ أجابوني: هذه طلبات من الله. كان هذا غريباً بالنسبة لي؛ لأنه لم يكن من حياتي. فأنا عضو في كيبوتس".
بعد ذلك بساعات شارك في المعركة الاخيرة في البلدة القديمة عندما قاد قائد الكتيبة، عوزي عيلام، قوة من اجل تطهير سطح أحد المباني الذي كان يتمترس فوقه ستة جنود اردنيين، وقاموا بقنص جنود الجيش الإسرائيلي. في هذه المعركة قتل الجندي يهودا فايس. من فوق جثة أحد الجنود الاردنيين أخذ براك الكاربين. نقل فصيله من القدس الى الشمال قبل المشاركة في المعارك في هضبة الجولان. وقام بدفن الكاربين تحت شجرة أمام مدخل قرية الشجرة. كنتُ متفائلاً بأن أعود سالما من المعركة"، قال. ولكن الحرب انتهت قبل أن يتمكنوا من الوصول الى هضبة الجولان. اعيد الفصيل الى القدس للمشاركة في احتفالات انتهاء الحرب. وهناك في احد الفنادق وجد منفضة السجائر. بعد أسبوع على انتهاء الحرب عاد الى قرية الشجرة وأخرج البندقية، ونقلها الى الكيبوتس. ومنذ ذلك الحين وهي برعاية رعاة الأبقار في الكيبوتس. المنفضة والمفتاح أخذهما معه. بعد ذلك تحطمت المنفضة ورماها أما المفتاح فبقي معه. "ذات مرة عرضت المفتاح على عدد من المتطوعين، وقلت إن هذا المفتاح هو لباب قرب حائط المبكى. قال أحد المتطوعين لي بأنه سيجند جماعته وسيدفعون لي عشرة آلاف دولار مقابله. ولكن بالطبع لم اوافق. بين حين وآخر عرضته على عدة اشخاص".
بعد ست سنوات على الحرب تم تجنيد براك مرة اخرى، في هذه المرة لحرب "يوم الغفران". في هذه المرة أيضا كان لواؤه في الجبهة وهو كان أحد الجنود الذين اجتازوا قناة السويس في عملية العبور التي غيرت وجه الحرب. حتى قبل الحرب ترك الكيبوتس وعمل في التعليم ومحررا صحافيا ورجل علاقات عامة. وفي السنوات الأخيرة بدأ في التحقيق ونشر أبحاثا عن اقتصاد إسرائيل. بقي المفتاح في بيته وعرف عدد من أبناء العائلة والأصدقاء عنه.
في الوقت الذي كان فيه المفتاح موجود في منزل براك تحول باب المغاربة الى مكان رمزي للصراع على السيطرة على الحرم. لم يكن المفتاح الذي أخذه براك المفتاح الوحيد للباب كما يبدو. ففي تلك الفترة أخذ الجيش مفاتيح أخرى كانت تستخدم لابواب الحرم ومنها باب المغاربة. بعد عشرة أيام على الاحتلال جاء وزير الدفاع، موشيه ديان، الى الحرم والتقى رجال الاوقاف. في تلك الفترة قام ديان باملاء الوضع الراهن في الحرم. الحرم هو مكان عبادة للمسلمين، ومكان زيارة لغير المسلمين. عادت الاوقاف الاسلامية وحصلت على السيطرة في باحات الحرم. وحسب بحث للدكتور امنون رامون، من معهد القدس لابحاث السياسات، في نهاية اللقاء قام دافيد برحي، وهو أحد مساعدي ديان واحد الاشخاص المهمين في تشكيل شبكة العلاقات بين إسرائيل والاوقاف في تلك الفترة، باعادة مفاتيح بوابات الحرم للشاويش حسنين، رئيس الحراس في الأوقاف. ولكن المفاتيح لم تبق لديهم فترة طويلة.
بعد بضعة أسابيع تم عقد عدة جلسات للجنة الوزارية لشؤون القدس، تركزت على الوضع الراهن. ناقش الوزراء، ضمن أمور اخرى، حق اليهود في زيارة المساجد وملابس الزوار. "كان يجب التأثير قليلاً على فتياتنا كي لا يذهبن الى هناك بالبنطالات، لأن هذا يمس بمشاعرهم جدا"، قال الوزير مناحيم بيغن. "لا سيما عندما تكون الفتاة جميلة"، أضاف. وأول من تحدى الوضع الراهن هو الحاخام العسكري الاول، شلومو غورن، الذي كان على قناعة بأنه يجب تقريب الخلاص عن طريق افعال دراماتيكية في الحرم. قام غورن واعضاء الحاخامية العسكرية باحتلال مبنى داخل الحرم قرب باب المغاربة، واستخدموا الباب للخروج من المبنى والدخول اليه. في آب 1967 اقام الحاخام غورن صلاة جماعية هناك بمناسبة التاسع من آب العبري. وقد خطط لإقامة صلاة اخرى بعد ثلاثة أيام من ذلك بمناسبة سبت برشات نحامو. أقلقت نيته الحكومة والوزراء. توجه دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة السابق، لديان وقال له: "عمل الحاخام غورن غريب، يعتقد كما يبدو بأن الله يختبئ في مسجد عمر، وذهب لاقامة الصلاة في مكان مقدس للمسلمين يوحي لاعدائنا أننا نقوم بتدنيس المقدسات الاجنبية. من يريد هذا التطاول؟".
قامت الاوقاف الاسلامية بإغلاق باب المغاربة بالمفتاح الذي كان لديها بخطوة استباقية. فهم موشيه ديان أن هذا الامر سيحسم مصير الوضع الراهن الذي ولد للتو. وقد أمر رئيس الاركان، اسحق رابين، باصدار أمر للحاخام غورن من اجل التراجع عن نيته وإخلاء المبنى. وأرسل مساعده برحي الى مكاتب الاوقاف من أجل أخذ المفتاح. المفاتيح، كما كتب الجنرال شلومو غازيت في كتابه "العصا والجزرة"، تم تسليمها "مع احتجاج". "فُتح الباب ووضع بجانبه رجال من الشرطة العسكرية. وبقي الباب منذ ذلك الحين مفتوحا تحت اشراف الجيش الإسرائيلي"، كتب غازيت.
بعد ذلك انتقلت السيطرة على الباب من الجيش الى الشرطة، التي تضع على الباب قوة بشكل دائم. أصبح باب المغاربة الباب الوحيد الذي يسمح بدخول غير المسلمين منه الى باحات الحرم. في العام 2000 في أعقاب زيارة أرئيل شارون المشهورة للحرم واندلاع الانتفاضة الثانية تم إغلاق الباب. وقد بقي مغلقاً ثلاث سنوات لم يدخل أثناءها الى الحرم أي زوار غير المسلمين. في العام 2003 قامت إسرائيل بفتح الباب رغم أنف الاوقاف الاسلامية، ومنذ ذلك الحين في نظر المسلمين يستخدم رمزاً لاحتلال إسرائيل للحرم.
عندما تندلع بين حين وآخر مواجهات في المسجد الاقصى، الذي يوجد قرب الباب، تقوم الشرطة باعداد القوات على جسر باب المغاربة وتقتحم من خلاله من النقطة التي تعتبر رمزا للتصعيد في الاحداث في القدس، والتي تزيد احتمالات امتداد العنف الى اماكن اخرى.
"في مرحلة معينة بدأ هذا الامر يضايقني لأنني أحتفظ بالمفتاح"، قال براك. "في الأساس امتعضت مما يحدث يوم القدس. وعندها قررت أنه في السنة الخمسين، أي 2017، سأعيده. ولكن هذا لم يحدث، حاولت ايجاد طريقة لاعادته ولكني لم اجد. وصلت البندقية هدفها، والمنفضة كسرت، وبقي فقط المفتاح. زوجتي تشهد على أنني قلت إنه يجب علي اعادته".
في السنتين الأوليين بعد الحرب ذهب براك الى القدس للمشاركة في احياء ذكرى قتلى الكتيبة. "جئت لأنني جزء من هذا الامر. ولكن بعد مرتين توقفت عن القدوم لأنني رأيت الاتجاه الذي يسيرون فيه. أصبح الامر سياسيا". قبل سنتين شارك براك في احتجاج رجال الاحتياط من الكتيبة 71 ضد نية الجيش والكيرن كييمت توسيع النصب التذكاري لتخليد ذكرى أصدقائهم الذين قتلوا. يوجد النصب التذكاري في الشيخ جراح، احد مراكز الاحتكاك في المدينة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. حسب الخطط، يمكن أن يصبح النصب التذكاري الصغير منشأة كبيرة تشمل مسرحا فيه 300 مقعد لاستضافة احتفالات الذكرى، رغم أن موقع التخليد الاساسي للمظليين في القدس يوجد غير بعيد من هنا، في تلة الذخيرة. "لا نحتاج الى ذلك"، قال براك. "من يريد التذكر فليأت ويتذكر. لا نحتاج أي مبنى ضخم كي نتذكر، تكفي ورقة على الطاولة. هذا المشروع سياسي، بالضبط مثل يوم القدس. لا يجب اكثر من الوقوف قرب نصب تذكاري صغير وتذكر الأصدقاء".
ظهرت الفرصة لإعادة المفتاح قبل شهر ونصف عندما اطلع براك على مقال نشر في "هآرتس" عن الوضع القائم في الحرم، وطلب المساعدة لإجراء اتصال مع رجال الأوقاف. وعندما سئل اذا كان فكر بإعادة المفتاح للجيش أو للشرطة قال: "ليس بأي شكل من الأشكال. هذا ليس لهم. هذا مسروق". وواصل بصوت عال "هذا مسروق مثلما سرقت كل الضفة. كانت الحرب ضد الجيش الاردني، ولم يكن الفلسطينيون طرفاً في الحرب، بل ضحيتها".
"يمثل هذا عبادة أصنام"، قال براك عن أحداث "يوم القدس" و"مسيرة الأعلام". "هذا بعيد عني. هذه ليست ثقافتي. هناك فجوة كبيرة بين السبب الذي وصلنا من اجله الى هناك وبين السبب الذي يتحدثون عنه. فنحن جئنا لانقاذ الحياة ولم نأت لاحتلال ارض إسرائيل. البسوا الأمر لهذا الموضوع بعد ذلك. لم نفكر أبدا بمفاهيم ارض إسرائيل الكاملة. آمل أن يكون هذا العمل الرمزي إشارة لإعادة المناطق الى أصحابها. المناطق لا تعود لنا، والمفتاح كذلك".

عن "هآرتس"