يعيش طلاب الثانوية العامة وذويهم هذه الأيام ظروفاً صعبة وحالة توتر تختلف عن أيّ ظروفٍ مروا بها طيلة أعوام الدراسة، فهم يعتبرون مرحلة الثانوية العامة مصيرية إما يُكرم فيها المرء أو يُهان، فتجد الطلاب لا يُفارقون المنزل إلا لأخد دروسهم الخاصة أو للضرورات ويقضون أغلب أوقاتهم بين صفحات كتبهم، ويتمنون معدلات كبيرة تؤهلهم للدخول لتخصصات حلموا بها طيلة أعمارهم، وفي الشهر الأخير الذي يسبق الامتحانات تفرض العائلات مزيداً من القيود على أبنائهم، ويُحاولون قدر المستطاع أنّ يُوفروا لهم جواً ملائماً وهادئاً لكي يستطيعون الدراسة بكل سهولة، وفي أحيان كثيرة يلجؤون لمنع الزيارات لديهم أو يمنعون أنفسهم هم من زيارة الأقارب والجيران.
التقت مراسلة "خبر" بعض الطلاب وذويهم وسألتهم عن الأجواء التي يعيشونها وأهم المواد التي يرون فيها صعوبة وكيف يدرسونها وهل يلجؤون لأخذ دروس خاصة تُعينهم على فهمها أم لا.
أمي زادت من توتري
"شهد.أ" المتفوقة في دراستها طيلة الأعوام السابقة والتي لم تكن تجد أيّ صعوبة في أيّ مادة علمية، قالت: "هذه السنة بالطبع تختلف عن سنوات دراستي السابقة، ربما تكون مثلها مثل أيّ سنة أخرى ولكِن أمي هي من جعلتها الأصعب وزادت من توتري أكثر، فهي منعت الزيارات العائلية ومنعتني أنا من الخروج من غرفتي أو الجلوس مع أخواتي، بالكاد أجد متنفساً لبضع دقائق أثناء تناول الطعام ومن ثم أعود إلى ركني في المنزل للدراسة، فحظر التجول المفروض عليا زاد من خوفي وقلقي، ولأنني أعلم أنّها سنة فاصلة وانتقالية من المراحل الثانوية للمراحل الجامعية يزداد خوفي أكثر".
وعن المواد التي تجد شهد فيها صعوبة أكثر، أجابت: "جميع المواد تحتاج منا القراءة والتركيز، لكِن مبحثي الرياضيات والجغرافيا أجدهما أكثر صعوبة من أيّ مواد آخرى، فهي مواد فيها معلومات أكثر وتحتاج لقوة تركيز وحفظ وفهم".
أما عن المواد التي لا تُشغل نفسها بها كثيراً، تقول: "مادة اللغة الإنجليزية سهلة بالنسبة لي وإن كانت أيضاً كغيرها من المواد تحتاج للقراءة والحفظ والفهم، وهذا يعود إلى أنني درست اللغة الإنجليزية الاثنى عشر مستوى واجتزتهم بنجاح".
كما ناشدت شهد، وزارة التربية والتعليم بأنّ لا تكن الأسئلة غير مباشرة أو تحتاج لشرح أكثر وأنّ يتم مراعاة توتر الطلبة الذين عايشوا الحروب وعدوان الاحتلال المتكرر، والذي جعلهم يشعروا بأنّهم قد نسوا كل ما قرؤوه في الفترة السابقة".
"نعتذر منكم لا نستطيع استقبالكم"
"أم محمد أحمد"، وهي والدة طالب في الثانوية لهذا العام، حين سألناها عن الأجواء التي تُوفرها لكي يستطيع ابنها محمد، أنّ يدرس بكل هدوء، أجابت: "ابني متفوق في دراسته ولكنه يتصعب من مادة الكيمياء لذلك جعلته يشترك في مركز للتقوية، ورغم ذلك أشعر أنّه متوتر كثيراً، مع أنني أوفر له كل وسائل الراحة لكي يستطيع الدراسة، فقد منعت أخاه من النوم معه في نفس الغرفة، وكل ما يطلبه مني من طعام وشراب يكون عنده في الحال، وأمنع إخوته من الصراخ أو الحديث بصوت عالٍ لكي لا يزعجوه، حتى أنني منعت نفسي من زيارة أهلي لكي أكون معه، ومنعت أهلي وأقرباءنا من زيارتنا هذه الفترة، وكل من يتصل بي للزيارة أعتذر منه دون خجل وأطلب منه تأجيلها لبعد الامتحانات، وبديل عن الزيارات استعضنا عنها بالحديث عبر الواتساب أو الفيسبوك".
"الثانوية العامة مثلها مثل أيّ سنة دراسية أخرى"
"خالد.م" كان له رأي آخر وهو طالب ثانوية عامة "العام الماضي" وحصل على معدل 75 % في الفرع العلمي، يقول: "معدلي في العام الماضي أدخلني في نوبة من الاكتئاب والزعل الشديد على مدار أشهر طويلة، وأنا أدرس منعت نفسي من ملذات الحياة وأقفلت على نفسي غرفتي لكي أدرس وأحصل على معدل كبير جداً يؤهلني لدراسة الطب، لكن في الأيام التي سبقت الامتحان وكلما كانت الأيام تقترب من الامتحان أزداد توتراً وأشعر أنني قد نسيت كثيراً من المواد، وهذا خطأ وقعت فيه ويقع فيه الكثير من الطلبة الذين يزداد توترهم في هذه السنة، فهم وذويهم يعتبرون مرحلة الثانوية العامة مرحلة مصيرية إما حياة أو موت وهذا الشيء سيأتي بنتائج عكسية عليهم".
وقدم لهم نصيحة في ختام حديثه، وقال: "أتمنى من الأهل أنّ يتركوا أبناءهم وشأنهم ولا يقيدونهم كثيراً، فأنا أعرف عائلات لا تسمح لأولادهم من الخروج من الغرفة، فيصابون بالاكتئاب وينهارون في يوم الامتحانات لذلك تابعوهم ولكن لا تقيدوهم، وفروا لهم أساليب الراحة ولا داعي لفرض حظر تجول عليكم وعلى عائلتكم".
"أماني الزعيم" تقول: "لديَّ أولاد أخي التوأم في الثانوية العامة، منذ بداية العام وهم يشتكون من صعوبة المواد وخصوصاً مبحثي اللغة الإنجليزية والرياضيات، ورغم ذلك قام أخي بتسجيلهم في مركز لتقويتهم في الدروس كافة، لم يبخل عليهم بشيء ولكنهم يشتكون من طريقة شرح بعض المدرسين لهم في بعض المواد، فهم يقولون إنَّ بعض المدرسين يشرحون لهم المواد العلمية بطريقة سريعة وفي نهاية الحصة يُخبرونهم أنَّ جميع ما تم شرحه ولم يتم هو ضمن الامتحان النهائي، معللين ذلك أنَّ الطلاب لا يجب أنّ يعتمدوا بشكل كلي على المُدرس، وأنّ عليهم الدراسة أكثر والبحث في مراجع سابقة لكي يفهموا الدرس أكثر، وأنا أرى أنَّ هذا الأمر خاطئ ولا يمكن أنّ يأتي بنتائج إيجابية على الطلبة".
وعما إذا كانوا يفرضون منعاً للزيارات العائلية في بيت أخيها، أوضحت: "لا يمكننا أنّ نمنع الضيف من زيارتنا، فهو في الأول والأخير ضيف تستغرق زيارته ساعات ومن ثم يذهب إلى بيته، والناس بصورة عامة قبل الامتحانات النهائية بأيام لا يزورننا لأنّهم يعلمون جيداً أنَّ أبناءنا طلاب ثانوية عامة، وأتمنى كل التوفيق لجميع الطلبة والطالبات".
"مصيرهم إما الزواج أو البطالة"
"عيسى وادي" وهو والد طالبة ثانوية عامة، يقول ممازحا: "هو ايش يعني بدها تصير بالآخر، آلاف الخريجين قاعدين بالشوارع لا شغلة ولا مشغلة، ع أساس الوظائف بتستناهم، ولو جابت معدل عالي أنا ما راح أقدر أدخلها جامعة، لأنه الجامعة بدها رسوم ومصاريف وكتب ومواصلات من وين بدي أجيبلها، أنا ما بتمنالها ترسب بالعكس، بس هذا واقع بنعيشه في غزة، يعني أنا لا موظف ولا بشتغل بالداخل المحتل، وعايش على مخصصات الشؤون الاجتماعية وعلي ديون ومصاريف ربنا عالم فيها، أتمنى لها النجاح وكفاية، وربنا يجيبلها النصيب الحلو بعد هيك ويتقدملها ابن الحلال الي يهنيها ويعيشها".
وعما إذا كان لديه أبناء آخرين يحتاجون لمصاريف ودراسة، قال: "عندي سبع بنات وأربع أولاد وبنتي ضحى الرابعة بين خواتها الحمد لله البنتين الي قبلها درسوا للثانوية وتزوجوا وعايشين مستقرين والولد ما نجح السنة الماضية، وهيو قاعد بوجهي يوم بيشتغل وعشرة نايم، الأولاد التانيين محتاجين تعليم ومصاريف ودراسة، لكن الله يكون بعون كل العائلات الي عندها أولاد كثير وما عندهاش دخل تقدر تعلمهم وتصرف عليهم من خلاله".
وضمن إجراءاتها لتوفير مزيداً من الهدوء في غزّة، منعت وزارة الداخلية إقامة الحفلات في الشوارع، وذلك لما تُشكله هذه الحفلات من ضوضاء وازعاج للطلبة وذويهم، الأمر الذي جعل البعض يعتبره قراراً صائباً، وناشدوا أيضاً الوزارة بمنع مكبرات الصوت التي يُنادي من خلالها الباعة المتجولين في الشوارع.
يُذكر أنَّ وزارة التربية والتعليم قد حددت موعداً لتقديم امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي" 2023 في الضفة وغزّة وحددت الدورة الأولى ستبدأ يوم الأربعاء 7 يونيو 2023، والدورة الثانية يوم الثلاثاء 8 أغسطس 2023.
مراسلة "خبر" استطلعت أراء المواطنين عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وأمنياتهم للطلبة هذه الأيام، وكانت كالتالي: