ككل عام مع بداية فصل الصيف وطيلة أشهره الثلاث، تبدأ الحشرات بالخروج من جحورها ومساكنها بكافة أشكالها وأنواعها وتأثيرها على الإنسان، ولعل من أبرز الحشرات التي يخشاها الغزّيين هي حشرة البعوض المؤرقة لنومهم، حيث تُعاني بعض المناطق دون غيرها من انتشار تلك الحشرة السامة، فتجد المناطق الزراعية الأكثر تضرراً منها، وذلك لوجود المزروعات والمياه بكثرة فيها وهي المناطق التي تجذب البعوض إليها.
ومع بداية الصيف بدأت مناشدات واستغاثات المواطنين للبلديات بضرورة القضاء على تلك الحشرة، حيث يُصاب الكثير من أطفالهم بارتفاع في الحرارة وانتفاخ شديد في المنطقة التي لدغتها البعوضة عدا عن الإعياء العام الذي يُصيب بعض الحالات القليلة، وذلك لأنَّ نسبة حساسيتهم تكون عالية جداً.
وما يزيد من تفاقم معاناة المواطنين هو الانقطاع المتكرر للكهرباء وخصوصاً أنَّ ارتفاع الحرارة يجعل المواطنين يلجؤون لفتح النوافذ ليتنفسوا قليلاً من الهواء، ولكّنه هواء مليء بالحشرات والبعوض، فتبدأ تلك الحشرة بمهاجمتهم هُمْ وأطفالهم الذين يصرخون من ألم قرصتها فتنتفخ أجسادهم الصغيرة، فيسرع أبواهم بوضع مراهم الحساسية التي في بعض الأحيان لا تُجدي نفعاً فيضطروا لأخذهم للمشفى لأخذ علاج أكثر قوة وتأثير.
وفي شمال قطاع غزّة، ذو الطبيعة الزراعية وانتشار مزارع الحيوانات أيضاً وبرك مياه الصرف الصحي الراكدة، حدّث ولا حرج، فلا تكاد تمرُّ ليلة دون معاناة.
رش الشوارع وسيلة غير ناجحة
أبو العبد سرور، يقول لمراسلة "خبر": "أكره فصل الصيف، حيث تنتشر فيه الحشرات بكافة أشكالها، وكوني أعيش في منزل "أرضي" ما أنّ يهل علينا فصل الصيف حتى أبدأ في الركض خلف الزواحف والقوارض والحشرات، ومن أكثر الحشرات التي تؤرق مضاجعنا، البعوض فأظل طوال الليل أركض خلفها لأقتلها لما تسببه من أذى على جسم أطفالي فيبكون في الليل من لسعتها، فتقوم والدتهم بوضع المراهم المخففة من الحساسية، وهكذا طوال الليل".
وناشد سرور البلدية بضرورة وضع حلول جذرية للقضاء على البعوض بعيداً عن رش المبيدات في الشوارع، والتي يرى أنّها وسيلة غير ناجعة، فيقول: "من الغريب أنّه عندما تقوم سيارة البلدية برش الشوارع بدخان أبيض من المبيدات، نرى البعوض قد زاد وأصبح في منازلنا أكثر، كأنهم يقومون برشنا نحن وليس البعوض".
ولفت سرور، إلى أنَّ "برك" تجميع مياه الصرف الصحي الموجودة على الأطراف الشمالية من مدينة بيت لاهيا، هي بؤرة تجمع وتكاثر البعوض الذي بدوره يقوم بالانتقال من تلك المناطق إلى منازل المواطنين.
حجم البعوض وتأثيره كبير جداً
"إيمان أحمد"، وهي أم لطفلين، تشابهت معاناتها مع معاناة أبو العبد ولكن اختلفت في معاناة أطفالها الذين يتأثرون بـ"لسعات" البعوض أكثر، وتضطر لأخذهم للطبيب بعد أنّ تورمت أجسادهم، فيصف لهم علاجات مرتفعة الثمن لكي تخفف من حدة انتفاخ أجسادهم الصغيرة، تقول لمراسلة "خبر": "بجانب وصفات الطبيب والعلاج الذي أضعه لأطفالي، ألجأ في بعض الأحيان للوصفات الطبيعية لإبعاد البعوض عن غرفة أطفالي مثل وضع الريحان والنعناع على أجسادهم أو بالقرب منهم، علها تُفيد لكنها للأسف لا تُجدي نفعاً".
وبيّنت إيمان، أنَّ حجم البعوضة قديماً كانت صغيرة جداً وبالكاد تُرى، لكِنها اليوم أصبحت كبيرة وتكاد تصل لحجم الذباب، عدا عن الأمراض التي يمكن أنّ تنقلها للإنسان، لأنّها تُسبب في بعض الأحيان ارتفاع بالحرارة وهزلان وانتفاخ الجسم وامتلاء المنطقة المصابة بالمياه وهذا ما يثير قلقها وخوفها من أنّ تنقل هذه الحشرة لأطفالها أيّ مرض خطير.
انقطاع الكهرباء يُفاقم من المعاناة
معاناة جديدة في بيت جديد، يُعاني سكانه في فصل الصيف، حيث قال أمجد عفانة :"لم أترك وسيلة إلا واتبعتها من أجل القضاء على البعوض، اشتريت كثير من المبيدات التي يمكن أنّ تكون ضارة على صحتنا نحن حين نستنشقها، أغلقت أيّ منطقة لتجميع المياه حتى لا تتكاثر فيه البعوض وتضع بيوضها فيه، وزرعت شجر الليمون والنعنع والريحان ووضعته بجانب النوافذ، لعل وعسى لا أرى تلك الحشرة اللعينة، ولكن للأسف دون جدوى، أصبحت أكره الصيف وأكره الليل، لا نرى الكهرباء ثلاث أيام في الليل خلال الأسبوع، فلا نستطيع تشغيل المراوح والمكيفات ونُقفل النوافذ، فنضطر لفتحها وقت انقطاع التيار الكهربائي، فيبدأ البعوض وصراصير الليل بمهاجمتنا".
وذكر أمجد، لمراسلة "خبر"، طريقة جديدة ساعدته قليلاً في تجنب لسعة تلك الحشرة المؤذية، فقال: "أستخدم طارد بعوض من نوع مختلف، فأدهن به الأجزاء المكشوفة من الجسم مثل الأرجل واليدين والجبين، رائحته تكون كفيلة بطرد البعوض لستة ساعات متواصلة، والحمد لله نجحت في إبعادها عنا طيلة تلك الساعات، أنا لا أعلم التركيبة التي وُضعت داخل العلبة وهل هي مؤذية على أجساد أطفالنا أم لا؟، وهل تسبب لهم أمراض خطيرة أم لا؟، ولكِن إنّ كانت مؤذية للإنسان بكل تأكيد لن تسمح وزارة الصحة والاقتصاد بدخولها للقطاع أو استخدامها".
دراسة: البعوض ينجذب لطوال القامة والحوامل
ووفقاً لدراسة علمية أجراها باحثون ألمان، جاءت فيها أنَّ طوال القامة والحوامل وذوي فصيلة الدم "o"، هم من أكثر الفئات التي يُفضلها البعوض، فطوال القامة الذين يفرزون كمية أكبر من غاز ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى أنّ لديهم رئتان أكبر حجماً مقارنة بغيرهم، وبالتالي يستنشقون ويفرزون كمية أكبر من الهواء، ومن الفئات الأخرى التي ينجذب إليها البعوض هن النساء الحوامل ويعود ذلك إلى أنّ الحامل تُفرز كمية أكبر من غاز ثاني أكسيد الكربون مقارنةً بغير الحامل؛ إذ أنها تتنفس عنها وعن جنينها، أما ذوي زمرة الدم "O" معرضون للدغات البعوض بمقدار ضعفين عن أصحاب فصيلة "A"، بينما يقع أصحاب فصيلة الدم "B" في المنتصف تماماً بين حاملي الزمرتين السابقتين من حيث تعرضهم للدغات البعوض.
يُذكر أنَّ إناث البعوض فقط هي من تلدغ، لا الذكور، فإناث البعوض تحتاج إلى بروتين الدم حتى تتمكن من إنتاج البيض بعد إخصابها؛ لذلك عليهن أنّ يلدغن البشر حتى تتم عملية التكاثر، فهي تعيش على امتصاص الدم عن طريق أنبوب حاد يثقب الجلد بسهولة، وبمضختين صغيرتين تمصان الدم وحتى لا يتخثر الدم في البعوض ترش عليه بعض من لعابها ليسهل امتصاصه.
البلديات تُحارب البعوض كيميائياً وبيولوجياً
بدورها، تُواصل بلديات قطاع غزّة بشكل شبه يومي أعمال مكافحة البعوض، بطرق عدة، في مختلف مناطق القطاع، وناشدت المواطنين بضرورة العمل على تجفيف تجمعات المياه الراكدة، وإبلاغ البلدية عنها؛ لتتمكن الأخيرة من رشها بالمبيدات اللازمة، على اعتبارها بيئة خصبة لتكاثر الحشرات.
كما يتم مكافحة حشرات البعوض من خلال طريقتين، الأولى كيميائيًا والثانية بيولوجيًا.
والطريقة الكيميائية تكون عبر رش ضباب من مُرَكَّبات كيميائية في الشوارع وحول تجمعات المياه، وذلك للقضاء على البعوض المنتشر في الأجواء، ومن المبيدات التي تستخدمها البلديات للقضاء على البعوض، مادة (B.T.I) حيث إنّ هذه المادة تُقاوم حشرة البعوض في المهد "يرقة" فيما يتم مكافحة الحشرة من خلال الرش بالمبيدات الحشرية اللازمة.
أمَّا الطريقة البيولوجية والتي من خلالها يتم القضاء على يرقات البعوض"، حيث قامت بلدية رفح ومنذ ست سنوات بتوزيع 8,400 سمكة من نوع "الشبار" على 280 بركة زراعية لمكافحة حشرة البعوض بيولوجيًا.
وتتمثّل الفكرة بتوزيع هذه الأسماك على البرك الزراعية وبرك تجميع مياه الأمطار والصرف الصحي، إذ يلتهم هذا النوع من الأسماك يرقات البعوض إلى جانب حشرات أخرى تعيش فيها.
مراسلة وكالة "خبر" استطلعت آراء المواطنين عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والذين أبدوا تذمراً كبيراً من انتشار البعوض وفشلهم في قتله أو الحد من اقترابه منهم ومن أطفالهم وكانت على النحو التالي: