مع اقتراب قدوم فصل الصيف وبكل ما فيه من مميزات وأجواء لطيفة يُحبها غالبية الغزّيين، فيسارعون للذهاب والتنزه على شاطئ البحر والمتنزهات العامة، وشراء ما لذ وطاب من فواكه ومشروبات لتناولها في أجواء عائلية جميلة.
ولعلك ترى على طول شاطئ البحر وكورنيش غزّة يصطف البائعون الذين يقومون بسلق وشوي حبات الذرة الصفراء التي يرغبها المواطنون فيبتكر الباعة بعمل أصناف كثيرة منها لترضي الأذواق المختلفة.
الذرة الصفراء التي تُزرع في غزّة بشمالها وجنوبها إنتاجها في هذا الموسم سيكون وفيراً وفق ما أفاد به الخبراء والمسؤولين، وذلك لأنَّ قطاع غزّة يتميز بتربته الخصبة الساحلية، التي تُسهّل على المزارعين توفير الثمار ذات الجودة العالية للأسواق.
وتتميز أيضاً غزّة ومن خلال وفرة المنتج والمحاصيل، بأنهّا مكتفية ذاتياً وتستطيع توفير الاستهلاك المحلي وتصدير كميات كبيرة للخارج، ومن بين الفواكه التي تمتاز بزراعتها في الصيف، "البطيخ، والعنب، والتين، والمانجا، والصبّار، والبلح، والخوخ، والمشمش، والشمام، والذرة الصفراء، والفراولة" وغيرها من الثمار.
ورغم العدوان الأخير الذي استهدف أراضي المواطنين الزراعية، وما خلّفه من أضرار واسعة، إلا أنَّ أراضي بلدات عبسان، وخزاعة، والقرارة، والفخاري، والشوكة، شهدت حركة نشطة للمزارعين والعمال.
ووصف مزارعون موسم الفواكه الحالي، المتوقع استمراره حتى منتصف شهر تموز المقبل بالأفضل، خاصةً مع التوسع الكبير في زراعة أصناف عديدة من الفواكه في مناطق شرق محافظة خانيونس، التي ثبتت خصوبة أراضيها، وصلاحيتها لمختلف الزراعات، سواء البستنة أو المحاصيل الموسمية.
كما أنَّ محافظة خانيونس والمناطق الغربية منها "المواصي" تُعتبر سلة فواكه رئيسة لقطاع غزّة، ففي فصلَي الربيع والصيف تُنتج المناطق الشرقية آلاف الأطنان من "البطيخ، والشمام، والخوخ، والمشمش، والعنب" وغيرها، بينما تُنتج مناطق المواصي "الجوافة، والبلح، والمانجا" خلال فصل الخريف من كل عام.
"أيام البطيخ ارفع الطبيخ"
حرص أجدادنا على عدم تغييب البطيخ عن موائدهم ما دام موسمه قائماً، وتحدثوا عنه من خلال الأمثال الشعبية لحبهم له ولاعتباره من الفواكه الأساسية في فصل الصيف ومن هذه الأمثال: "بطيخ يكسر بعضه"، "كُل بطيخ وطلّۤع على زنودك، وكُل شمام وطلّۤع على خدودك".
المتحدث باسم وزارة الزراعة، أدهم البسيوني، أكّد على أنَّ قطاع غزّة سيُحقق اكتفاءً ذاتيًا من ثمرة البطيخ خلال عام 2023، لافتاً إلى أنَّ وزارة الزراعة بدأت موسم حصاد البطيخ المزروع في الدفيئات الزراعية، في حين أنَّ عمليات زراعة البطيخ مازالت مستمرة، بين العروات المبكرة والمتأخرة.
وأوضح البسيوني، أنَّ المساحة المزروعة بالبطيخ في قطاع غزّة تُقدر بخمسة آلاف دونم، مُنوّهاً إلى أنَّ شهر أيار/مايو سيشهد وفرة في إنتاج البطيخ وتنوع أصنافه، "فقطاع غزة ما يزال في بداية الإنتاج، وعملية زراعة البطيخ تستمر طيلة فترة الصيف من أجل الوصول إلى كمية الإنتاج الكلية للموسم".
"البائع سعيد" يقف في السوق ويُنادي على المشترين والمتجولين في سوق مشروع بيت لاهيا وهو ممسك بيدٍ حبةً من الشمام الأصفر وباليد الأخرى حبة من الذرة التي تبدو تحت أشعة الشمس وكأنها قطع من الذهب المصطفة وراء بعضها البعض.
يقول سعيد، لمراسلة وكالة "خبر"، حينما سألته عن إقبال الناس على شراء فواكه الصيف المزروعة في غزّة ومدى رضاهم عن أسعارها: "إنَّ فاكهة البطيخ هذا العام كانت في الأسواق حتى قبل موسم قطفها بشهر تقريباً، ولكنها لم تكن (حلوة المذاق) كما هي عليه الآن".
وأضاف: "لا أحد في غزّة لا يُحب البطيخ، جميع الناس تطلبه وتُحب أنّ يكون في منزلها، وذلك لأنّها الفاكهة الوحيدة مقارنة بباقي الفواكه رخيصة الثمن، حيث يبلغ سعر الكيلو الواحد منها شيقل واحد، وتتراوح البطيخة الواحدة ما يقارب كأدنى حد لخمسة كيلو، فتجد الأب يشتري البطيخة مكتفياً بها ويذهب لمنزله ليفرح أطفاله".
وأشار سعيد، إلى أنَّ المواطنين يُفضلون تناول البطيخ مع ارتفاع درجة الحرارة، لأنّه يُضفي نوعاً من البرودة على جسم من يتناوله، فيأكلونه وحيداً أو بجانبه الجبنة البلدية البيضاء والخبز.
أما عن الذرة الصفراء، فيقول: "أتعامل مباشرة مع مزارع من شمال القطاع، يُعطيني كمية منها وكل يومين يأتيني بحبات جديدة، وذلك لأن المواطن يُحب تناول الذرة فهي الفاكهة الثانية بعد البطيخ الأكثر تناولاً، ولأنَّ الذرة في بداية الموسم تكون أكثر حلاوةً عن آخره، صحيح أنّها مرتفعة السعر في بداية الصيف حيث يبلغ سعر (الكوز) أو الحبة الواحدة شيكلاً واحداً، مُضيفاً: "الذرة الآن يأخذها المواطن لسلقها وأكلها، غير التي يأخذها في آخر الموسم للتخزين واستعمالها في بعض الأكلات، وذلك لأنَّ طعمها يكون أقل حلاوة من ذي قبل".
وعلى مقربة منه تقف سيدة أربعينية مع ابنها لتشتري الخضار لبيتها، وبالحديث معها عن رضاها عن أسعار فاكهة الصيف، وماذا تفضل هي وأبناءها، فقالت: "أحب شراء الفقوس والخوخ والبطيخ، فأسعارها في متناول غالبية الناس، فأنا مثلاً لا أستطيع شراء بعض الفواكه المستوردة، وبوجود البطيخ والفقوس والشمام أستغني عن بقيتها، صحيح أنّني أفضل شراء الخوخ ولكن سعره مرتفع في بداية الموسم، فأضطر لأنّ أنتظر قليلاً حتي يصل سعر الكيلو الواحد إلى حدود 3 شواكل".
"الفقوس الحلو أنتظره من العام للعام"
"إبراهيم عبد العال"، بسؤاله أيضاً عن أكثر الفواكه التي يرغب تناولها في فصل الصيف، فأجاب دون تردد: "إنّ وُجد الفقوس لا أبحث عن غيره، أعشقه وأنتظره من العام للعام، صحيح أنّه في بعض الأحيان تشوب بعض حباته شيء من المرار، لكِنني أستغني عن البزر داخل الحبة وآكل خارجها، وبصورة عامة حبات الفقوس هذا العام مذاقها ممتاز وحلو فأشتري كل يومين تقريباً رطل (3كيلو) وأظل آكل منه حتى ساعة متأخرة من الليل، حتى أنَّ زوجتي تُشبهني بعض المرات بالفأر الذي يقرض طوال الليل (يحكي ممازحاً)".
وعن باقي الفواكه الصيفية، يقول إبراهيم: "أطفالي يُحبون تناول الشمام قطعاً أو عصير، أما زوجتي فتُفضل العنب والتين، ولأنَّ التين لم ينزل للأسواق بعد، والعنب حتى الآن ليس بالحلاوة التي نجدها في نصف الموسم، لذلك تنتظرهم زوجتي بلهفة، وتصرعني بضرورة شراء التين والعنب".
يُذكر أنَّ تربة منطقة الشيخ عجلين -على الساحل مباشرة- مناسبة جداً لزراعة العنب والتين، وكلّ عام يتم جني محصولاً وفيراً من دون عناء كبير، قد يكلّف المزارعين فقط بعض الأسمدة والمبيدات الحشرية لا أكثر، ويُعتبر عنب وتين الشيخ عجلين من أجود وأفضل المحاصيل على مستوى قطاع غزّة بل وفلسطين بعد الخليل التي تشتهر بكروم العنب الكثيفة ذات المذاق الساحر الذي لا يُقاوم.
تُستخدم في الطهي والمقبلات
المزارع تحسين السلطان "يقوم بزراعة الذرة الصفراء"، يقول: "أقوم ببيع محصول الذرة مباشرة في السوق دون الاعتماد على التجار وفي هذا الموسم يتم التركيز على النوع "الرويلتي" الإسرائيلي، لكونه الأفضل في السلق والبلدية في الشواء".
وحول رضاه عن الموسم الزراعي الحالي، أوضح أنَّ الاحتلال في الاعتداء الأخير لم يكن ليسمح له ليزرع أرضه كونها بجانب الحدود الشمالية، لذلك يظل بالأيام لا يذهب لأرضه حتى أنّه كاد أنّ يفقد محصوله لولا لطف الله، حيث تمكن في اللحظات الأخيرة من الاعتناء بالمحاصيل وري المزروعات، ومن ثم جنيه وعرضه بالأسواق.
وأكمل السلطان: "المحصول الذي تطرحه الأرض جميل وجيد جداً ولديّ زبائن يوصوني بكميات كبيرة لهم ولعائلاتهم، لما تمتاز به الذرة التي أبيعها من حلاوة وجودة".
وتمنى أنّ يصل العام القادم محصوله لجميع المناطق الفلسطينية وخارجها وأن يتخلص قريباً من تحكمات الاحتلال له بحرمانه من الوصول لأرضه كما المرات السابقة لكي يعتني بمحصوله كما يجب، لافتاً إلى أنَّ أرضه فقط لا تتجاوز الدونم الواحد وهي صغيرة جداً مقارنة بمساحة أراضي المزارعين الآخرين، وتُعطيه إنتاج من 3-4 أطنان من الذرة، لكِنه يطمح لتوسيع تجارته مستقبلاً.
وبيّن السلطان، أنَّ الذرة تُعد من المحاصيل المفضلة للمستهلك الغزّي، خاصةً في أوقات الصيف حيث يُفضل تناولها مباشرةً، كما أنَّ المطاعم تستخدمها في المقبلات وعملية الطهي.