بعد الاستدارة.. أصبح فوز أردوغان رغبة عربية ..!

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم أكرم عطا الله

 

 

 

كيف تحول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الخصم اللدود للعرب خلال العقد الماضي إلى الصديق الذي يريدون فوزه؟ فمن سحب الاستثمارات العربية من تركيا، إلى دعم الرئيس التركي بودائع خليجية لدول كانت حتى الأمس هي الأكثر استهدافاً من قبل الرئيس بينهما قصص وتحولات كبيرة.
الرئيس أردوغان براغماتي إلى أبعد الحدود وأصبح سياسياً من طراز رفيع يمتلك الآن كل مؤهلات السياسة لممارستها بجدارة، بدا كذلك بعد تجربة عقدين في الحكم كانت كفيلة بتأهيله بعد أن انحرف المسار في منتصف التجربة نحو التدخل في شؤون الدول العربية، ناسفاً خرائط السياسة التي رسمها مهندسها أحمد داوود أوغلو بأن «على تركيا أن تستفيد من موقعها الجغرافي وتغير طموحاتها من القوة المركزية إلى القوة الشاملة، وذلك بالانفتاح على جيرانها وإلغاء جميع المشكلات معها وإلغاء التوجهات السياسية بتوجهات اقتصادية، وأن تقوم بدور الوسيط في النزاعات وخصوصاً في الشرق الأوسط «.
في بدايات حكم حزبه كان الرئيس التركي يسير وفقاً لخطة داوود أوغلو، ما فتح أمامه العواصم العربية، ولكن مع أول اهتزاز في الإقليم ألقى بتلك الخطة جانباً وانفتحت شهيته للسيطرة على تلك العواصم ليجد نفسه طرفاً في كل صراعاتها ومآسيها.
 وكان قد تمكن من بناء علاقات اقتصادية مع الإقليم بعد اليأس من الانضمام للاتحاد الأوروبي ليتجه جنوباً، فتحسنت الليرة التركية وانتعش اقتصادها وأصبحت قبلة العرب، حتى المسلسلات والأفلام التركية استولت على مساحة كبيرة في الإعلام العربي.
بعد الاهتزاز في الإقليم فجأة يعلن أردوغان «أنه وأعضاء حزبه سيصلون في الجامع الأموي بعد أن ينتهي من إسقاط الرئيس السوري «كيف ولماذا وما دخله في ذلك؟ لا احد يعرف سوى أن تركيا انزلقت نحو أحلام الماضي بلا حسابات، وأخذ يعلن موقفاً حاداً من الأحداث في مصر ويرفع شعار «رابعة» ويقيم نصباً للأصابع الأربع ويقسو هجوماً على الرئيس المصري ويعلن أنه لا يمكن أن يلتقيه ويعتبره انقلابياً، ثم يرسل قوات إلى ليبيا جارة مصر ويهاجم السعودية ويسحب سفيره من الإمارات، وفي ذروة الخلاف العربي يرسل قواته إلى قطر لتواجه أشقاء قطر بل أن يقوم بدور المصالحة.
كان ذلك مدعاة لأسئلة كبيرة كانت نتيجتها قطع العلاقات العربية مع أنقرة وسحب استثمارات وتسعير العداء بين الشعب التركي وجزء كبير من الشعوب العربية التي تقف على النقيض من الذين دعمتهم تركيا، بل وأغضبت العرب حين فتحت بواباتها ومطاراتها وطرقها البرية الحدودية لنقل دواعش العالم لتقاتل في بلد عربي، وجندت أجهزة دولتها لتلك المهمة.
الآن وبعد هذه التجربة المريرة تحدث استدارة كبيرة ويعود الرئيس التركي لسياسة تصفير المشاكل. فقد أزال تمثال رابعة وأعلن أن هناك ارتباطاً بين الشعبين المصري والتركي، وأرسل وزير خارجيته ليلتقي وزير خارجية مصر، والتقى هو   الرئيس المصري في قطر، وتناسى قضية خاشقجي ليفتح صفحة جديدة مع السعودية وكذلك مع الإمارات، واللتين دعمتاه بخمسة عشر مليار دولار لإنقاذ الليرة التركية التي فقدت 85% من قيمتها في العقد الأخير. والأهم من كل هذا إعلانه في مؤتمر لحزبه في تشرين الثاني الماضي استعداده للقاء الرئيس الأسد، وبالتأكيد ليس لديه مشكلة بالصلاة خلفه في الجامع الأموي حين يتم اللقاء.
خسارة أن عشر سنوات من عمر العلاقة كانت على حساب العرب وتركيا كقوميتين تعتبران الأكثر تقارباً نظراً للتاريخ المشترك تحت مراهنات حالمة ولحظة كُشفت فيها أطماع ليست في محلها. ولكن ما يميز الرئيس التركي سرعة التحولات وإجراء المراجعات وتغيير السياسة بما يتوافق مع مصالح الشعب التركي والتي تتقاطع مع مصلحة العرب بوجود جار قوي ومحايد لا أطماع له بعواصمهم وبعلاقات اقتصادية وسياسية قوية.
تعلّم الرئيس التركي درس التاريخ إن كانت الكلفة عالية، أدرك أن العرب ليسوا بتلك السهولة، وليسوا تلك الدول والشعوب التي تبحث عن راعٍ أو مستعمر يأتيها من خلف البحار، وأن الشعوب العربية تعتز بأوطانها وتتحسس من التدخلات الخارجية، وأن لديها بعض القوة التي تمكنها من الحفاظ على ذاتها، بل وإنه بتدخله يخسر نصف الشعوب على الأقل ومعظم قادة الدول، وحين ينغلق أمامه الغرب ليس أمامه سوى العرب، وتعلّم أن التدخل في الدول العربية خسارة كبيرة لتركيا.
الفلسطينيون بمختلف أطيافهم يؤيدون الرئيس التركي، حتى في ذروة أزمة الإقليم كانت سياسة الرئيس التركي تقف على الحياد تجاه أطراف الصراع الداخلي الفلسطيني، وتشكل داعماً للسياسة الفلسطينية والمؤسسات الدولية وكذلك في معاركها مع اسرائيل. ومن هنا كان الاهتمام البالغ والخوف على الرئيس في الجولة الأولى عندما كان التقارب شديداً. وهذه المرة يجد الرئيس أردوغان ما يشبه الإجماع العربي بالرغبة بنجاحه، فقد وفرت له دول عربية ما يساعد في ذلك من امكانيات مالية، ووقفت بقوة إلى جانبه بعد الزلزال الذي أصاب البلاد وفقدت تركيا خلاله 8.5 مليار دولار.
العرب يرغبون بفوز الرئيس التركي لأنه عاد لسياسة الجوار، ولأن البديل المتمثل بالمعارضة التركية يرفع شعارات شوفونية قومية لا تخفي عداءها واستعلاءها للعرب كأمة وكأفراد، مع استعداد للتحالف مع خصوم العرب والتضييق عليهم، وهذا مدعاة للقلق، في الرواية ما يطمئن أن العرب بدعمهم للرئيس التركي يديرون سياسة أكثر كفاءة ولا يديرون صراعات قبلية انتقامية... سيكون فوز الرئيس أردوغان يوم الأحد مبعث ارتياح في العواصم العربية بعد استدارته الكبيرة.