انتخابات طلاب أم صراع زائد

تنزيل (13).jpg
حجم الخط

بقلم د عاطف أبو سيف

 

 

 

شعرت، مثل كثيرين، بالحزن الشديد وأصابتني خيبة أمل وأنا أتابع مجريات انتخابات الجامعات مؤخراً خاصة المناظرات والدعاية الانتخابية في جامعة بيرزيت.
كثيرون، مثلي، شعروا بالخجل من المستوى غير اللائق التي انحدرت إليه الثقافة السياسية بين طلاب الجامعات وهم يتصارعون من أجل الفوز بمقاعد مجلس الطلاب، ثقافة لا يمكن أن تكون نتاج خبرات إيجابية ولا هي تقود إلى غد قادر على أن يحمل تحدياتنا.
خيباتنا كثيرة ومقدرتنا على الوقوف في المكان الصحيح من أجل مواجهتها ضعيفة.
لا شيء يمكن أن يخلص إليه المرء وهو يتابع صراخ الطلبة وردحهم وسبهم وعباراتهم غير اللائقة إلا أننا لسنا بخير، فإذا كان هذا هو المستوى الذي نعكس فيه مواقفنا وهذه هي «الدكة» التي نقف عليها ونحن نعبر عن هذه المواقف، فلا بد من الاعتراف بأننا نتجنى على شعبنا وعلى قضيتنا وعلى صورتنا أمام الآخرين.
لم يكن ما يجري مناظرات ولا كان هناك دعاية انتخابية. كان هناك سب وشتم وردح وتخوين وتكفير وسخرية من مواقف الآخرين وإن بدرجات متفاوتة. حيث إن بعض الكتل المتنافسة لم تعرف أي خط أحمر ولا أزرق في ردحها السياسي وهي تسب وتلعن وتخون وتكفر بلا رادع، وكانت كميات الكذب والدجل أكبر من أن يستطيع المرء ملاحقتها بالتفنيد.
عمليات خداع مركبة يتم خلالها الاستهتار بكل القيم والأخلاق من أجل أن يتم تقديم الخصم بأسوأ صورة حيث يكون مقابلها الصورة الناصعة المزعومة لصاحب الخطاب.
تخيلوا كيف يتم استخدام الجامعات من أجل كل هذا التضليل، وكيف يتم توظيف الحريات المتاحة من أجل نعت الآخرين بكل ما يتعارض مع الحرية، إنها الحرية التي ينعم بها من يمارسها ولا يؤمن بها في نفس الوقت، ومع ذلك فثمة كراهية طافحة في كل ما يجري.
كراهية يجب حماية أبنائنا منها ويجب حماية جهازنا التعليمي من عفنها الذي من شأنه أن يغرقنا بالكثير من التوتر السياسي ويقود إلى المزيد من التهتك في النسيج الاجتماعي. هناك من لا يدرك حقيقة ما يجري. ففي مقابل أن يكسب مقعداً في مؤتمر مجلس طلاب لا بأس لو انهار البيت.
ثمة جملة من الملاحظات الواجبة هنا. أولها أن مثل هذا الخطاب الطلابي يشكل انعكاساً لتوتر موجود في المجتمع يتم التعبير عنه بكل وضوح بسبب طبيعة التظاهرة الانتخابية التي تجري، ومع المغالاة التي يتم فيها التعبير عن هذا التوتر لا يعود مجرد انعكاس بل يصبح محركاً سلبياً في الدفع تجاه المزيد من التوتر.
لا توجد لحظات أكثر توتراً من تلك التي تجري لحظة وجود انتخابات في الجامعات حيث يتم سحب المجتمع إلى كل بواطن الصراع الداخلي الكامن في نسيجه منذ سنوات، ويتم تسليط الضوء على كل ما يمكن أن يكون الزمن قد حاول شفاءه لكن عبثاً إذ إن هذه الانتخابات فرصة أخرى من أجل تمزق جديد في المجتمع ومن أجل إعادة الأمور إلى سوابق عهدها.
الأمر الآخر أن مثل هذه الانتخابات لا تعكس حقيقة أي توازن سياسي، إذ إنها تتباين من جامعة لأخرى ولا يوجد نمط محدد واحد في الجامعات من شأنه أن يقول حقيقة مواقف الطلاب.
ببساطة فدور مجالس الطلبة في الوقت الحاضر اختلف عنه في الماضي حيث كان معياراً لولاء الطلاب للتنظيمات بوصف الجامعات كانت تضم شرائح وطلاباً وطالبات من أماكن عدة وليست محددة جغرافياً بطلاب منطقتها.
مثلا بيرزيت كانت نموذجاً للجامعة التي تعكس تنوع المجتمع الفلسطيني الجغرافي لكنها لم تعد كذلك الآن.
كان هذا صحيحاً حين لم يكن هناك إلا بيرزيت والنجاح وبعد ذلك انضمت بيت لحم والخليل والإسلامية في غزة، الآن هناك عشرات الجامعات والمعاهد والكليات. وبكلمة أخرى الأمر ليس بهذه الأهمية سياسياً إلا لكونه يشكل امتداداً لتقاليد قديمة حول الصراع على مقاعد مجالس الطلبة.
كما يجب التذكير أن مثل هذه الانتخابات محرومة منها الجامعات في قطاع غزة.
وربما من المفارقة أن جوهر النقاش هو المواقف العلنية، غائب. فمثلاً لا يجوز لكتلة أن تشارك في انتخابات جامعة في مكان ما ولا تعلن صراحة شجبها وإدانتها لمنع جهات أخرى بمنع تنظيم هذه الانتخابات في الجامعات الأخرى. ولكن لأن ما يجري ليس انتخابات بالمعنى الحقيقي بل هو «تلاهث» وسباق سلبي القصد منه التخريب وليس مجرد كسب مجلس للطلبة يصير كل ما يجري أمراً مألوفاً وستتم إعادته العام القادم وبنفس الدرجة من الاستخفاف وعدم المسؤولية، لذا فإن وضع ضوابط لكل ذلك أمر واجب، ضوابط تكفل أن العملية الديمقراطية هي عملية متكاملة وليس مجزوءة ويجب الإيمان بها بشكل كامل وليست حراماً في جامعة ومحرّمة في جامعة أخرى.
في الحقيقة لا يوجد في كل ما يجري ما يقول إن النقاش يدور حول انتخابات مجلس طلبة. بل إن القضايا الطلابية والنقابية كانت شبه غائبة عن المناظرات الطلابية وإن ورودها كان ضعيفاً ولم تحظَ بالحد الأدنى ما يجب أن تحظى به على أهميتها للطلاب وحقيقة أنها جوهر هذه العملية الانتخابية وليست مجرد نتيجة ثانوية لها.
يجب إعادة الانتخابات الطلابية إلى مقاعد الدراسة التي تهرب منها وتفلت منها بسهولة إلى حظيرة السياسة والخلافات الحزبية والصراعات الفصائلية التي يعتقد البعض أنها مقدسة ويجب الحفاظ عليها.
وربما أن الوصول إلى وثيقة شرف بين مكونات الحركة الطلابية أو السياسية حيث إن ما يجري ليس طلابياً بأي حال يتطلب وضع معايير وضوابط أخلاقية تحكم العملية الانتخابية، وربما وقف هذه المناظرات التي بات عقدها مسيئاً للعملية الديمقراطية أكثر مما هو جزء أصيل منها كما يجب أن يكون.