نتنياهو مصاب بمرض "الوهم السياسي"

P5VlX.jpg
حجم الخط

بقلم د. هاين العقاد

 

نتنياهو المأزوم يريد ان يظهر امام الإسرائيليين وكأنه رمز من رموز الحركة الصهيونية الحديثة من خلال سعيه لتحقيق مشروع الدولة الصهيونية خالصة القومية على كامل الأرض الفلسطينية وهذا أمر مستحيل ويستنزف مئات السنين من المواجهة مع الفلسطينيين الذين يثبتوا في مواجهة كافة المخططات التي ترمي لتصفيه الصراع على الطريقة الدينية اليمينية المتطرفة , لم يتطرق الكثير من الكتاب او المحللين لتحليل شخصية هذا المأزوم والذي يعتبر نفسه وريث (بن غوريون) ويسعي لان يكتب عنه التاريخ اكثر من الإرهابيين الصهاينة الذين ارتكبوا مئات المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية على السواء . المثير والجديد في شخصية هذا المأزوم مؤخراً انه ظهر للعلن دون أي خشية ان يتهم بانه في حالة غير واقعية من الخيال القاتل والذي نسميه "بالوهم السياسي" والذي أدى به الى التفكير خارج حدود الممكن واعتقاده بانه يستطع بالقوة العسكرية واليد الطويلة المزعومة ان يحقق كل تصوراته بل وتشكيل الواقع حسب أهوائه المريضة وعنصريته التي هي جزء من السياسة التي تنتهجها حكومته منذ أدت اليمين الدستوري امام الكنيست نهاية ديسمبر العام الماضي.

نتنياهو يمتلك وعيا زائفا للتاريخ وهو ينكر الحقائق التاريخية التي تؤكد امتلاك الشعب الفلسطيني منذ عشرات الالاف من السنين ارض فلسطين ولا يكترث بهذه الحقائق ويعتبرها مجرد فبركات تاريخية صنعها العرب والحقيقة ان فكره عبارة عن صندوق يستقبل ما يرمى له من صحف توراتية ومبادئ عنصرية وكراهية من المفكرين الصهاينة وحاخامات الحركات الدينية دون الاعتداد بالواقع او الموضوعية في الفكر. وهم قاتل ,ايدلوجيا مزيفة ,عقيدة كراهية وعقدة الاسامية تسيطر أيضا على كثيرين من الذين يحيطون بنتنياهو ,لكن على ما يبدو فانه الأكثر إصابة بهذا المرض القاتل والذي يصور له انه يمتلك السلطة ولابد من امتلاكها للأبد حتى لو على حساب تفكك المجتمع الإسرائيلي وبالتالي الدولة وهذا ما تم كشفه من قبل المعارضة الإسرائيلية التي تحرك الشارع الإسرائيلي بعشرات الالاف في شكل احتجاجات لاستعادة الدولة من بين يدي مجموعة متطرفين وإنقاذ الديموقراطية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة بفعل عشرات القوانين الإسرائيلية التي يحاول الائتلاف اليميني الحاكم تشريعها لتمكين هذا اليمين الفاشي من كافة مؤسسات الدولة وتجيرها لخدمته وخدمة جمهوره.

مؤخرا خرج نتنياهو بتصريح غاية في الخطورة حول مدينة القدس وفي حدث هو الاول من نوعه منذ سنوات خلال عقد اجتماع لحكومته اليمينية الفاشية المتطرفة في احد الانفاق الملاصقة للمسجد الأقصى بالقدس الشرقية وهو اجتماع احتفالي بالدرجة الاولى أراد نتنياهو من خلاله ان يوحي للفلسطينيين بان إسرائيل هي من تسيطر على القدس وتفرض السيادة عليها وهي موحدة الان كعاصمة لهذا المحتل وقال نتنياهو "بان مدينة القدس موحدة منذ اكثر من ٥٦عاما لكن الكفاح من اجل وحدتها لم ينته بعد "!!, في أشاره الى سعي حكومته لمزيد من الإجراءات التهويدية والمتطرفة لاستكمال اسرلة القدس وحسم قضيتها بالكامل ,لكنه وظف هذه المناسبة للقول للإسرائيليين "ان حكومته هذه هي الوحيدة القادرة على تحقيق وحدة القدس وامن الإسرائيليين بالتوازي". ما يؤكد ان هذا الرجل يعاني من حالة "وهم سياسي" هو توجيهه رسالة الى (الرئيس محمود عباس )أبو مازن على إثر خطابه الأخير في الأمم المتحدة بمناسبة احياء الجمعية العامة للأمم المتحدة الذكري 75 للنكبة الفلسطينية والتي قال فيها " انه لا علاقة لليهود بالقدس " وادعى نتنياهو "ان اليهود تواجدوا في هذه الأرض قبل 3 الاف عام وان اجتماع حكومته في هذا المكان يؤكد ارتباط إسرائيل بالمدينة المقدسة" ,بل انه ذهب لابعد من هذا الخيال بقوله "ان القدس عاصمة لإسرائيل قبل ان تكون واشنطن عاصمة لأمريكا ولندن عاصمة لبريطانيا".

حالة "الوهم السياسي" التي يعاني منها نتنياهو هي المحرك الأساسي لكل حالات العداء والكراهية للفلسطينيين والتي تُمنهج لعلميات القتل والهدم والاستيطان والمسارعة في حسم موضوع الوجود السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية بالتفكيك ومنح الفلسطينيين حكما ذاتيا هو عبارة عن عدد من الكانتونات بحكام يتبعوا للسلطة الإسرائيلية مباشرة وبالتالي يقضي على مبدا حل الدولتين وينسف كل المرجعيات الأساسية لعملية إنهاء الصراع سلمياً , ولعل حالة "الوهم السياسي "القاتل التي يعاني منها نتنياهو هي التي تعقد الصراع وتطيل امده وتديم حالة عدم الامن وعدم الاستقرار في الإقليم باسره ,ولكون نتنياهو يعاني من حالة مرضية فان ذهابه لتحقيق سلام مزعوم مع بعض الدول العربية وترك الدائرة الحقيقية للصراع مع الفلسطينيين مفتوحة يعتبر احد الاعراض الخطيرة لهذه الحالة التي تأخذه بعيدا عن الواقع بل وعدم الاعتراف به وتجعله يعيش في حالة من الوهم المبني على الخيال غير المتصل باي من الأسس الحقيقية للواقع. ان تعقد الحالة التي يعاني منها نتنياهو تجعله أيضا يستخدم القوة لإيذاء الاخرين وهنا لابد من التركيز على حالة التصعيد في المواجهة مع الفلسطينيين واستخدام النار والبارود بحقهم وما خير دليل على ذلك سوى الحرب الأخيرة على غزة والهجمة البشعة على مدن الضفة الغربية التي بدأها جيشه في محاولة مستحيلة لاستعادة الامن والهدوء بالقوة.

ان إعادة نتنياهو لحالة الوعي والتوازن السياسي تستدعي تدخل دولي متزن وحقيقي بالدرجة الاولى للضغط عليه لوقف استخدامه القوة لتحقيق الدولة اليهودية الخالصة القومية وبالتالي القضاء على امكانية التعايش السلمي في فلسطين بل ويعرض كافة مسارات السلام للخطر الحقيقي بما فيها مسارات العلاقات مع بعض الدول العربية لأنها مسارات غير حقيقية ومبنية على وهم "السلام الابراهيمي" فقط الذي بدا ينكشف امام الجميع ويتجه نحو التراجع والتلاشي لبعده عن الواقع والحقيقة. ان الشعب الإسرائيلي الطامح للسلام الحقيقي وقوي المعارضة واليسار بالدرجة الاولى مطالبون جميعا بتفكيك هذا الائتلاف المجنون الذي يعطي كافة الصلاحيات لرجل مصاب بمرض قاتل يدفعه للمغامرة بمستقبل شعبة ومستقبل قبوله بين شعوب المنطقة بالدرجة الأولى وكذلك مستقبل الامن والاستقرار المبنيان على السلام العادل والشامل الذي يمنح حقوق متساوية لكل من الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي في دولتين مستقلتين متواصلتين مع العالم الخارجي جغرافيا وسياسيا وينهي كافة السياسات العنصرية التي يعتبرها العالم الحر جرائم بحق الإنسانية.