قبل نحو ساعة ونصف على اندلاع حرب "يوم الغفران" في 6 تشرين الأول 1973 في الساعة 12:30، نشرت شعبة الاستخبارات في الجيش عدة أنباء إشكالية وغريبة، حملت الرقم المتسلسل 433. من جهة، كتب فيها أنه تم تشخيص ميل لشن حرب على المدى الفوري، في مصر وفي سورية. ومن جهة أخرى قدر كتابها أنه حتى الآن لم يتم اتخاذ قرار حول شن الحرب، بل إنهم أشاروا إلى أن المصريين والسوريين "يدركون عدم وجود احتمالية للانتصار في الحرب". نشرت هذه الصياغة المشوشة وغير الحاسمة إزاء حقيقة أنه قبل بضع ساعات من ذلك سمعوا في الاستخبارات العسكرية تحذيرات ملموسة عن اندلاع الحرب.
مجموعة أنباء 433 معروضة في الموقع الإلكتروني الجديد لأرشيف الجيش في وزارة الدفاع، المخصص لحرب "يوم الغفران". أطلق الموقع، أول من أمس، قبل اربعة أشهر تقريبا على الذكرى السنوية لاندلاع الحرب، وهو يشمل 15 ألف صورة و6 آلاف وثيقة و215 فيلم فيديو و40 تسجيلا و170 خارطة. "أطلق أرشيف الجيش الإسرائيلي بشكل مرتب معظم ما في حوزته. وسيمكن هذا من إجراء تحقيق افضل عن الحرب"، قال البروفيسور أوري بار يوسف، من كبار الباحثين في الحرب، للصحيفة.
كشفت الوثائق في الموقع الجديد للمرة الأولى. إحداها هو البحث الذي أجراه في 1985 العميد يوئيل بن بورات، الذي كان أثناء الحرب قائد الوحدة 8200 (الاسم السابق لها 848). في التحقيق انتقد بشدة مجموعة أنباء 433 وكتب "هناك بحث من العام 1973... واجهت عدداً غير قليل من الأمور الغريبة حول طريقة التحليل واستخلاص الدروس. فصل الـ(الإجمال والتقدير) في هذه المجموعة هو من الأمور الغريبة جدا، سواء من ناحية التفكير الاستخباري أو من ناحية التعبير عنه". بعد ذلك فسر وقال: إن التشكيك بوجود قرار "مصري - سوري لشن الحرب" قريب من السخافة. وفي تطرقه لجملة "المستوى الاستراتيجي في مصر وسورية يدرك عدم وجود احتمالية للانتصار في الحرب" كتب بن بورات "هذه الجملة لا تستحق أن تعتبر أمرا مختلفا، عدا السخافة المطلقة". واعتبر أنه "لا أساس لها من الصحة".
وقال أور بيالكوف، وهو باحث في رابطة "مركز حرب يوم الغفران"، للصحيفة: إن هذا التحقيق يعرض "قصة استخبارية ممتعة حقا". وحسب أقواله فإن "مجرد كتابة هذه المجموعة يشير إلى الوضع المعرفي الخطير الذي كان كبار رجال الاستخبارات العسكرية مأسورين فيه".
في وثائق أخرى كتبها بن بورات بعد انتهاء الحرب وتنشر الآن للمرة الأولى في الموقع، كتب "هذا هو الواجب المهني لرجل الاستخبارات. وإذا لم يقم بتحدي المواقف التي تقلص المواقف السطحية وانضم للجوقة كي لا يكون استثناء وجذب إليه الانتقاد والعداء، فهو بذلك يخون مهمته. وهذا ما كان بالفعل. استخف المقاتلون، ولم يعارض رجال الاستخبارات، وأغلق الجميع على انفسهم في حلقة تكافلية مخادعة وخطيرة". في مكان آخر كتب "إذا فشلنا في كل شيء ونجحنا في التحذير، فسننجح. وإذا نجحنا في كل شيء وفشلنا في التحذير، فسنفشل. لو منعنا المفاجأة عشية عيد الغفران لكانوا سيغفرون لنا إخفاقاتنا. لأننا تفاجأنا لم يذكروا في يوم الغفران أياً من نجاحاتنا".
إضافة إلى الجوانب الاستراتيجية للحرب، يشمل الموقع الجديد أيضا الكثير جدا من المواد المحددة عن معارك وعمليات. في هذا الإطار كشف فيه أيضا شهادة قائد موقع الحرمون، غادي زدوبار، الذي وثق سقوط الموقع في اليوم الأول للحرب. "سمعنا صرخات باللغة العربية وطرقا على الأبواب. هنا بدأ ذعر القوة. بدأ الجنود، الذين خافوا، يختبئون في الأنفاق. أملوا أن ينجوا بهذه الطريقة. قمتُ بتغطية انتقالهم برشاش العوزي وقنبلة. وقمت بتنظيم دفاع عن الجحر، بما في ذلك إغلاق الباب... صعدنا إلى احد الأبراج الذي ارتبط بالجحر من اجل رؤية ما يحدث في الخارج. شاهدت بشكل مؤكد اربعة أشخاص كانوا يقفون فوق رؤوسنا وهم يحملون رشاشات الكلاشينكوف ويرتدون الخوذ والملابس المرقطة... لقد كشفونا، صرخوا باللغة العربية، وركضوا نحو البرج، وقاموا بإلقاء قنبلة".
مواد أخرى في الموقع مكرسة لقادة الحرب، بما في ذلك رئيسة الوزراء، غولدا مئير، ووزير الدفاع، موشيه ديان. ضمن أمور أخرى، يمكن الاستماع إلى مؤتمر صحافي عقدته غولدا في اليوم التالي للحرب قالت فيه: "حتى الآن الحرب لم تنته. حتى الآن الأبناء وما زال الجنود والقادة في الجبهة الشمالية وفي الجبهة الجنوبية يقاتلون بتفانٍ وبطولة وقدرة ومعنويات عالية. لا توجد كلمات لوصفهم"، قالت وأضافت: "يمكنني القول إن الشعب في الجبهة الداخلية لا يتخلف عن الأبناء في الجبهة. الروح القوية للشعب ومستوى تطوعه لكل شيء وكل موضوع، أكثر مما كان متوقعا".
وقالت في التوثيق أيضا: "نحن شعب صغير محاط بالجيران المعادين. يا مواطني إسرائيل، هذه هي الوقائع. لا توجد حاجة أو قدرة على قول أمور أخرى مختلفة عن ذلك... لا يوجد مكان لليأس، لا سمح الله. لا يوجد لدينا أي شك بأنه في نهاية الأمر وفي نهاية المعركة سنكون المنتصرين. نحن لم نبدأ الحرب، ولكن بعد أن هاجمونا سنحارب حتى الانتصار. تعالوا نأمل بأنه لن تمر فترة طويلة إلى أن تنتهي الحرب مع انتصار إسرائيل. والجنود في جميع الجبهات، في الجو والبحر والبر، كل المحبة لكم. قلوبنا معكم، قلب كل مواطن... جميعكم أبناؤنا، أبناء الجميع. سنلتقي قريبا، هكذا آمل، بعد الانتصار الكبير لجيش الدفاع الإسرائيلي".
يشمل الموقع أيضا محاضر جلسات أجراها رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان. تحقيقات عملياتية لوزير الدفاع، هيئة الأركان العامة، وقيادات المناطق والأذرع (البر والجو والبحر) والمقاتلين والتقارير الحربية لمقاتلين كتبت بخط اليد. أيضا تظهر في الموقع مواد لجنة التحقيق الرسمية حول ظروف اندلاع الحرب وطريقة إدارتها، ولجنة اغرانات، وضمن ذلك الشهادات التي أسمعت والمبرزات التي عرضت على اللجنة. بعض المواد في الموقع تصعب قراءتها بعد هذه الفترة. ومثال ذلك الملف الذي يتناول قتل جنود إسرائيليين على يد السوريين، الذي كتب فيه عن وجود "شهادات كثيرة ومقنعة تشير إلى حالات كثيرة في هضبة الجولان، فيها قتل بشكل وحشي وبربري لأسرى حرب من جنود الجيش". في تقرير مفصل كتب حول "التنكيل والإهانة التي مر بها الجنود وجثامينهم، قبل وبعد قتلهم".
يضم القسم البصري للموقع توثيق افضل مصوري تلك الفترة، من بينهم ميخا برعام وابراهام فيرد وميكي تسرفاتي. ضمن أمور أخرى، يمكن رؤية غولدا مئير وهي تحمل في إحدى يديها حقيبتها وفي يدها الأخرى سيجارة ووجهها متكدر وتستمع لإحاطة من قائد الفرقة 183، ارئيل شارون. في صور أخرى يظهر شارون وديان وهما يبتسمان راضيين عن نفسيهما. صور أخرى توثق القوات على الأرض في القطاعات المختلفة، من هضبة الجولان في الشمال وحتى شبه جزيرة سيناء في الجنوب، في وقت القتال وفي وقت الهدنة. توجد الأفلام التي في الموقع تشمل توثيقا لمقابلة أجراها ديان مع وسائل الإعلام في 18 تشرين الأول، قال فيها: "من الأفضل التواضع". ويوجد توثيق بالألوان لرئيس الأركان، دافيد بن اليعازر، وهو يقوم بزيارة سيناء.
في وزارة الدفاع توجهوا أيضا لحكمة الجمهور ومكنوا متصفحي الموقع من إلقاء نظرة على المواد فيه، "من اجل مساعدة أرشيف الجيش في وزارة الدفاع على تشخيص أشخاص وأماكن وزيادة دقة البحث التاريخي". في الوزارة قالوا أيضا إن الموقع سيستمر في التحديث باستمرار.
عن هآرتس"