إسرائيل تصدّر أزماتها إلى فلسطين

حجم الخط

بقلم صادق الشافعي

 

 

 

بدون مبالغة او تطرف فإن دولة الاحتلال تواجه مشاكل وخلافات داخلية وخارجية تسمح لبعض الصحافيين والمراقبين بوصفها أزمات.
يقف على رأسها ويشكل عنوانها الأهم الموقف الشعبي الرافض بشدة للتعديلات التي يقترحها رئيس الوزراء نتنياهو ووزارته على النظام القضائي، والتي تعبر عن نفسها في تظاهرات يومية عارمة (200 ألف تقريباً في كل مظاهرة) وتستمر وتتواصل حتى الآن ولأكثر من شهرين.
أما على المستوى الخارجي فيبقى العنوان الأهم هو العلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة الحليف الدولي الأول والأهم لدولة الاحتلال وتعبر عن نفسها في أكثر من عنوان. لكن يبقى أهم العناوين هو أن الإدارة الأميركية لم توجه دعوة رسمية لزيارتها الى رئيس الوزراء بعد تشكيل وزارته الجديدة كما جرت العادة بينهما كحليفين، رغم مضيّ أكثر من ثلاثة شهور على تشكيل الوزارة.
خصوصاً وان هذه الازمة بدأت تأخذ تعبيرات محددة وغير مألوفة في العلاقة بين البلدين الحليفين منها:
منع نتنياهو أياً من وزراء حكومته القيام بزيارة عمل رسمية الى الولايات المتحدة والاستعاضة عن ذلك بلقاءات في دولة أوروبية، مثل اللقاء المتوقع ان يجمع وزير الجيش الإسرائيلي غالانت مع نظيره الأميركي لويد اوستن في بلد أوروبي.
اما على المستوى الداخلي فإن حكومة نتنياهو منسجمة تماماً بتوجهاتها الأكثر يمينية وبالتحديد فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني والحقوق الوطنية الفلسطينية، وبالذات رفضها الحاسم والمطلق للعنوان المتعلق بقيام دولة فلسطينية على ارض فلسطينية. إضافة إلى التوجه والعمل الحاسم لرفض ومنع شعار إقامة الدولة الفلسطينية على ارض فلسطين من التحقق باي شكل وبكل الطرق والوسائل.
ويبدو واضحاً وجلياً أن الحكومة القائمة برئاسة نتنياهو. ومن خلال كل السياسات والبرامج والمشاريع التي تعلنها وفوقها الممارسات، تؤكد وحدتها على هذا الموقف المانع.
والى جانب العديد من السياسات والممارسات فإن عنوان "الاستيطان" والتوسع به بلا حدود وبكل الوسائل والإمكانات يبقى هو المدخل الواقعي الأهم لإلغاء امكانية قيام الدولة الفلسطينية بأي شكل وأي محتوى، ببساطة لعدم الإبقاء على ارض خالية يمكن ان تقام عليها الدولة المذكورة.
في مواجهة هذا الحال لا يبدو الوضع الوطني الفلسطيني على المستوى السياسي والتنظيمي في أحسن حالاته بالذات، وبالتحديد لجهة وحدته ووحدة مؤسساته ووحدة رؤاه النضالية والسياسية ووحدة أطره وهيئاته السياسية والنضالية، ليشكل كل ذلك الأساس الذي تقوم عليه أشكال وطرائق ومستويات التصدي النضالي الواقعي الشامل والدائم لمخططات دولة الاحتلال المذكورة.
ودون ان يلغي ما تقدم الحقيقة الساطعة وهي حقيقة توحد الجهد النضالي بكل أطيافه وبكل إمكاناته في التصدي البطولي والفاعل في حال قيام دولة الاحتلال بشن هجوم عدواني في مناطق معينة وظروف معينة.
ما يزيد الوضع الوطني المذكور ايلاما غياب أي مبادرة جادة من أي طرف سياسي/تنظيمي/ نضالي تهدف الى محاولة الخروج من هذا الحال.
والأكثر إيلاماً انه لا تبدو في الأفق أية مؤشرات واعدة لتبلور مثل هذه المبادرة، وكأن المطلوب من الكل الوطني ان يبقى في هذا الحال مع كل ما يحمله من مخاطر على الوضع الوطني العام.
حتى التحرك المبادر الذي قامت به رسمياً مصر بدعوة واستضافة رئيس الوزراء محمد اشتية، ثم أعقبته بعد مغادرته مباشرة دعوة إسماعيل هنية لزيارتها. هذا التحرك لم يُحدث اي تفاعل إيجابي ولم ينتج عنه لا مبادرة ولا أي شيء محدد تجاه الوحدة الوطنية الفلسطينية بالذات.
في مواجهة التحرك الموصوف من قبل دولة الاحتلال وحكومتها والخطر الحقيقي الذي يتهدد واقعية شعار وهدف الدولة الوطنية الفلسطينية تبدو الحاجة ملحة جداً لمبادرة وطنية مخلصة وواقعية، تسعى وتهدف إلى وحدة الموقف الفلسطيني وتوجهاته البرامجية ووحدة أدواته النضالية العامة والجامعة.
حتى لا نفيق بعد سبات وبعد فوات الأوان، على حقيقة ان الاستيطان الصهيوني لم يُبقِ من أرض الوطن دون استيطان ما يمكن أن نقيم عليها دولتنا الوطنية.
فمن يسارع الى تعليق الجرس؟!.