معاريف : فشل منظومة الدفاع الإسرائيلية على الحدود المصرية

حجم الخط

بقلم: تل ليف رام



العملية القاسية، التي نفذها شرطي مصري، من غير المتوقع أن تكون لها آثار ثقيلة على العلاقات بين إسرائيل ومصر في المستوى السياسي – العسكري. في مستوى التصريحات وإن كان المصريون اصدروا بيانا بأن الحدث وقع على خلفية مطاردة لمهربي المخدرات، لكن من خلف الكواليس قيلت أمور مختلفة تماما، ومن الواضح للطرفين أن هذه كانت عملية ضدنا.
قبل 17 سنة وقع حدث مشابه: تبادل للنار بين قوات الجيش وثلاثة من أفراد الشرطة المصريين اجتازوا الحدود في منطقة "هار سغي"، وأطلقوا النار نحو كمين للجيش الإسرائيلي رد النار فصفى اثنين منهم. فر الثالث عائدا إلى الأراضي المصرية. في حينه أيضا ادعى المصريون بأن أفراد الشرطة كانوا يطاردون مهربي مخدرات. غير أنه في العام 2006 لم يكن هناك جدار على الحدود، وإمكانية أن يكون الأفراد ضلوا طريقهم أثناء المطاردة فاجتازوا الحدود إلى أراضي إسرائيل استقبلت في حينه عندنا كإمكانية معقولة.
في الحالة الحالية لا شك لدى الطرفين على الإطلاق؛ فهذه عملية مخططة من الشرطي المصري، الذي تسلل إلى إسرائيل اغلب الظن عبر ثغرة معروفة في الجدار استغلها كنقطة ضعف أتاحت له الوصول إلى مسافة قريبة جدا من موقع للجيش الإسرائيلي، وفتح النار من مسافة قريبة جدا نحو المقاتلين دون أن يتمكن الاثنان من أن يردا على النار.
وقعت العملية القاسية بعد بضع ساعات من إحباط تهريب للمخدرات. في السنتين الأخيرتين اللتين كان فيهما التعاون بين الجيش الإسرائيلي والشرطة يتوثق ويتحسن كان الجيش اكثر مشاركة في إحباط تهريب المخدرات. لكن نوصي بالتذكير أن المهمة الأولى للجيش الإسرائيلي هي الحفاظ على الأمن ضد تسلل "المخربين".
سجل الجيش الإسرائيلي في ليلة السبت نجاحا إضافيا في إحباط التهريب، لكنه تكبد فشلا ذريعا وخطيرا في منع تسلل إلى أراضي إسرائيل والطريق الذي كان يفترض به أن يكون جاهزا للتصدي للتسلل بعد المفاجأة الأولى في الميدان.
الموقع الإسرائيلي المنعزل يوجد في المنطقة لأجل حماية الحدود ومنع التسلل إلى إسرائيل. ومهمة من يرابط في هذه المواقع هي أيضا حماية انفسهم والحرص على ألا تصبح القوة المرابطة في المكان نقطة ضعف. حتى في حالة أن يكون العدو هو الذي يفاجئ ويحقق تفوقا في نقطة البداية فمن مسؤولية قادة الجبهة أن يتأكدوا كل الوقت من قوة منظومة الدفاع بحيث إنه حتى في حالة المفاجأة لن يتحقق حسم، ودوائر حماية أخرى، ينبغي أن تكون في الجبهة، ستعرف كيف توفر حلا وتغلق الحدث بسرعة، حتى لو بدأ بنتيجة قاسية لقواتنا. في هذه العملية القاسية ليس فقط نجح "المخرب" في أن يحسم ضد الموقع العسكري، بل فشلت كل فكرة الدفاع في اختبار الحقيقة.
تشتعل أضواء حمراء كثيرة في هذه الحالة. أسئلة حول نجاعة ورديات طويلة من 12 ساعة مع مقاتلين وحيدين في الميدان، وكذا أسئلة كبرى عن الحرص على أنظمة الانضباط العملياتي حين تتضح الصورة البشعة والنتائج القاسية، بعد نحو ثلاث ساعات فقط من الحدث. كل هذا بينما يختار "المخرب" البقاء في أراضي إسرائيل وألا يهرب عائدا إلى الأراضي المصرية.
في نظرة إلى الوراء يتبين أن إطلاق الشرطي المصري النار نحو المقاتلين في ساعات الصباح الباكر سمعت في الجبهة، ولكنها اعتبرت نارا عادية من العمق المصري. الربط بين النار التي سمعت والموقع المنعزل، الذي لا يرد، تم بتأخير ساعات، وأعطى "المخرب" وقتا ثمينا للاستعداد للقاء التالي مع قوات الجيش الإسرائيلي، الذي كلف هو أيضا ثمنا باهظا يتمثل بقتيل. وذلك على الرغم من أنه كانت في الميدان قوات كبيرة ونوعية للجيش الإسرائيلي.
في جبهات عمل كهذه، مثل الحدود الغربية مع مصر، أو الحدود مع الأردن، والتي لا يجري فيها على الإطلاق الكثير من ناحية عملياتية باستثناء أحداث الجريمة وتعتبر "باعثة على التثاؤب" ظاهرا، العدو الأكبر للقادة هو الحفاظ على الكفاءة العملياتية اليقظة والجاهزية لحدث شاذ، وهو على ما يبدو ما لم ينجح في الحدث الحالي، ويستوجب تحقيقا ثاقبا وعميقا جدا.
النتائج القاسية والخطة البسيطة لـ"المخرب" المصري نجحت على ما يبدو اكثر مما قدر حين انطلق على الدرب. كما أن هذه هي المأساة القاسية وغير المعقولة؛ خطته كانت بسيطة، دون تخطيط مركب ودون استعدادات خاصة.
في هذا الحدث انهارت منظومة الدفاع للجيش الإسرائيلي في الجبهة تماما، والنتائج بالفعل قاسية وأليمة، ولكن لو كانت هذه خلية "إرهاب" منظمة وليس شرطيا مصريا لكان من شأن هذا أن ينتهي بنتائج اخطر بكثير، بل ربما باختطاف مقاتلين إلى الأراضي المصرية أو اصابة قوات كثيرة.
في هذا المنطقة خطر اصابة المدنيين الإسرائيليين متدن؛ لأنه لا توجد فيها بلدات، لكن هذه العملية بالذات تستوجب من الجيش فحصا معمقا لمفهوم الحراسة على طول الحدود مع مصر، وبخاصة في مناطق مأهولة اكثر مثل "بتحات نتسانا".
حدث من هذا النوع قد يبعث دافعية في أوساط منظمات "الإرهاب" العاملة في سيناء، أو في قطاع غزة، لتجربة حظها في محاولة التسلل إلى أراضي إسرائيل وتنفيذ عملية استراتيجية.

عن "معاريف"