اعتمد المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو"، في أعمال دورته العادية (119) التي عُقدت في العاصمة التونسية، مجموعة من القرارات لصالح فلسطين والقدس، واعتماد ذكرى النكبة.
وضم وفد فلسطين المشارك في أعمال الدورة، أمين عام اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم، رئيس المجلس التنفيذي لمنظمة "الإيسيسكو" دوّاس دوّاس، والقائم بأعمال مدير عام المنظمات الدولية والعربية والإسلامية باللجنة الوطنية خلود حنتش، ورئيس هيئة الرقابة المالية والإدارية لمنظمة "الألكسو" معاوية أسعد موسى، والمستشار في سفارة دولة فلسطين لدى تونس محمود حسين عباس.
وتقدم دوّاس بالشكر والتقدير لمنظمة "الألكسو" ممثلة بمديرها العام والإدارة العامة ومجلسها التنفيذي برئيسه وأعضائه، وجميع الإدارات والمراكز والمعاهد الخارجية المتخصصة لا سيما معهد البحوث والدراسات العربية ومعهد المخطوطات العربية، التي نقلت بكفاءة واقتدار وجدية، القرارات الخاصة بفلسطين والقدس إلى حيز التنفيذ، مما تم تنفيذه وما هو في طريقه إلى التنفيذ، كمؤسسة من مؤسسات العمل العربي المشترك، وهو دليل على حرص وإرادة عربية نبيلة تتمثل في الألكسو لدعم فلسطين وحقوقها المشروعة.
وقدم دوّاس تقريرين باسم دولة فلسطين كبند دائم على جدول أعمال اجتماعات المجلس التنفيذي، وهما القُدْس والأخطار التي تُهدِّدُها، والأَوْضاع الترْبويّة والثقافيّة والعلميّة في فِلسطين، موضحا من خلال الأول أن الاحتلال يواصل حربه على المناهج التعليمية في القدس، في سياق منهجية سياسية استعمارية تستهدف العقول والتاريخ والمستقبل، إذ يحاول تهويد المنهاج الفلسطيني والسيطرة على المدارس الأهلية والخاصة، ويواصل استهدافه للطلبة والكوادر التربوية والمدارس، وانتهاكاته بحق التعليم في القدس، ومحاولاته الرامية إلى ضرب مقومات الهوية الوطنية الجمعية، ومواصلة سلطات الاحتلال إزالة معالم المدينة وإفقادها طابعها الديني والحضاري، من خلال تنفيذ المشاريع الاستيطانية والحفريات تحت المدينة، والتي باتت تشكل خطرا حقيقيا على المسجد الأقصى واحتمال انهيار أجزاء منه، فضلا عن التعديات على كنيسة القيامة وبقية الكنائس، وفي المقابل، تمنع سلطات الاحتلال أي عمليات ترميم ممكنة في المسجد الأقصى.
واستعرض التقرير الثاني ما ينتهجه الاحتلال منذ احتلاله لأرض فلسطين، وهو سياسة تربوية وثقافية، تهدف إلى تشويه التراث الحضاري الفلسطيني العربي وتهويده، والقضاء تدريجيا على مقومات المجتمع الفلسطيني، وجعل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يعيشون عزلة حضارية، فعلى الصعيد التعليمي، تتركز انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي على مستويات مختلفة من انتهاك حقوق الطلبة والمعلمين، والمدارس بحد ذاتها، كما تستخدم قوات الاحتلال الطلاب والأطفال كدروع بشرية أثناء اقتحامها للمدن والبلدات الفلسطينية، وتواصل إصدار أوامر بهدم المدارس في مختلف المناطق بحجج مختلفة، حيث يتهدد الهدم حاليا 55 مدرسة في الضفة الغربية المحتلة، وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، فإن أكثر من 3.1 مليون طفل فلسطيني يواجهون المخاطر عند عودتهم إلى المدرسة، وسط تحديات لا يتخيلها الكثير من أقرانهم في شتى أرجاء العالم.
وأكد دوّاس مصادقة واعتماد المجلس التنفيذي "للألكسو" بالإجماع، على مشاريع القرارات المقدمة من دولة فلسطين، من خلال اللجنة الوطنية الفلسطينية، والتي جاءت في ضوء قرار الأمم المتحدة بشأن الاعتراف بنكبة الشعب الفلسطيني وإحياء هذه المناسبة للمرة الأولى في مقر المنظمة الدولية، وقرار جامعة الدول العربية على مستوى القمة باعتبار النكبة مأساة وكارثة إنسانية تاريخية، وُلدت في سياق مخطط استعماري بدأ من إعلان بلفور عام 1917، من خلال عدوان منهجي واسع النطاق، قُصد منه إرهاب الشعب العربي الفلسطيني وطرده من أرضه، ومحو هويته العربية والسطو على ممتلكاته وروايته وإرثه الحضاري، والدعوة لاعتماد يوم 15/مايو- أيار من كل عام يوما عربيا ودوليا لاستذكار النكبة، واتخاذ تدابير على مستوى الدول والمنظمات الدولية والإقليمية لإحياء هذه الذكرى الأليمة.
وأكد المجلس التنفيذي في قراراته تضامنه ودعمه للشعب الفلسطيني لمناسبة الذكرى الـ75 للنكبة، ويدعو الإدارة العامة وجميع الدول الأعضاء إلى تنظيم الأنشطة والفعاليات المختلفة في هذه المناسبة السنوية، ودعوة المؤسسات الأكاديمية والتربوية والعلمية العربية إلى تضمين المناهج التعليمية والمساقات الأكاديمية دراسات عن النكبة الفلسطينية وآثارها في الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية الفلسطينية.
ودعا المجلس التنفيذي الإدارة العامة للمنظمة إلى التنسيق مع اللجنة الوطنية وجهات الاختصاص في دولة فلسطين، لإطلاق كرسي الألكسو لدراسات النكبة والرواية الفلسطينية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعميم عمل هذا الكرسي على المؤسسات الأكاديمية، وإلى تبني وإطلاق مشروع بحثي عربي يضم مجموعة من الباحثين والأكاديميين الفلسطينيين والعرب بعنوان: "النكبة والرواية الفلسطينية"، من خلال معهد البحوث والدراسات العربية، وبالتنسيق مع اللجنة الوطنية الفلسطينية وجهات الاختصاص في دولة فلسطين.
كما دعا المجلس، الإدارة العامة إلى تبني وإطلاق مشروع "استعادة التراث الفلسطيني المهجّر"، الذي يقوم على رصد التراث الفلسطيني المهجّر (التراث الفكري الوثائقي والمخطوط)، وبحث آليات استرجاعه، من خلال معهد المخطوطات العربية وبالتنسيق مع اللجنة الوطنية الفلسطينية وجهات الاختصاص في دولة فلسطين، وإلى مواصلة دعم الجهود الفلسطينية لإدراج وتسجيل عناصر التراث المادي وغير المادي على قائمة التراث العالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، من خلال توفير دعم الدول العربية والدعم الفني والمالي والخبراء لإعداد الملفات، في إطار العمل على حماية المقدرات الثقافية للشعب الفلسطيني في ضوء ما تتعرض له من انتهاكات من الاحتلال الإسرائيلي ومحاولات طمس الهوية والتهويد والسرقة والاستلاب، ودعوة الدول الأعضاء إلى العمل على إثارة قضايا حقوق الإنسان في فلسطين، لا سيّما الحقوق التربوية والثقافية والعلمية، والتأكيد على الحق الفلسطيني في التعليم والتعبير الثقافي، ومكافحة القمع والاضطهاد الإسرائيلي بحق طلبة المدارس والطلبة الجامعيين والأساتذة والأكاديميين في فلسطين.
وفيما يتعلق بالقدس، جدد المجلس التنفيذي إدانته للسياسة الإسرائيلية العدوانية ومحاولاتها تشويه وتغيير الثقافة والهوية العربية والإسلامية في المدينة، سواء بإغلاق المؤسسات، ومحاولات سرقة التراث الفلسطيني، أو محاولات تغيير المناهج التعليمية في القدس وفرض منهاج محرف بدلا منه، أو استهداف الطلبة والمدرسين والمدارس بالعديد من السياسات العنصرية والعدوانية.
ودعا المجلس، الإدارة العامة والدول الأعضاء إلى دعم جهود دولة فلسطين لدى منظمة "اليونسكو" في الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري لدولة فلسطين، لا سيما في القدس، والسعي إلى تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس التنفيذي لليونسكو ولجنة التراث العالمي، وإرسال بعثة الرصد التفاعلي في ضمن ما تتعرض له المقدرات الثقافية والمقدسات الإسلامية والمسيحية من انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ومحاولات تغيير هويتها العربية الإسلامية والمسيحية، ودعوة الإدارة العامة والدول الأعضاء إلى تنظيم الفعاليات والأنشطة والمؤتمرات الهادفة إلى إبراز الوعي والانتماء والذاكرة العربية والإنسانية لمدينة القدس ومقدساتها.
ومن ضمن القرارات، دعا المجلس العواصم العربية لا سيما عواصم الثقافة العربية، إلى وضع برامج توأمة مع مدينة القدس، بما في ذلك برامج توأمة ودعم بين المؤسسات العربية الحكومية وغير الحكومية التعليمية والثقافية والعلمية مع المؤسسات الفلسطينية المثيلة في القدس، وذلك دعما لمدينة القدس المحتلة وتعزيزا لصمود مؤسساتها وأهلها، وإلى مواصلة الجهود لإطلاق وتعميم المنصة الإعلامية (القدس عروس عروبتكم) على الدول العربية والمؤسسات المختلفة، وذلك تأكيدا على أهمية دور الإعلام في دعم وحماية مدينة القدس المحتلة في مواجهة السياسات والانتهاكات الإسرائيلية التي تستهدف تهويد المدينة ومقدساتها وهويتها الثقافية وحقوقها التعليمية.
وحث المجلس الأكاديميين والباحثين والمؤسسات والهيئات العلمية على التفاعل ومد جسور التواصل مع كرسي الألكسو الخاص بدراسات القدس الشريف، للتأكيد على تاريخها وتراثها الحضاري والثقافي العربي، خاصةً في ظل ما تتعرّض له المدينة المقدسة من انتهاك وعدوان متواصل، ودعا المجلس الإدارة العامة إلى عقد مؤتمر مخصص للإضاءة على واقع تعليم الأطفال في فلسطين ومدينة القدس، والتأكيد على ضرورة حماية حقهم في التعليم، يشارك فيه صناع القرار التربوييون والخبراء والباحثون والمفكرون، وممثلون عن وزارات التعليم والجامعات والمدارس واللجان الوطنية والمنظمات والهيئات على المستوى الإقليمي، وذلك بالتنسيق مع اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم.
يذكر أن فلسطين تترأس هيئة الرقابة المالية والإدارية في منظمة "الألكسو" ممثلة بمدير عام الإدارة العامة للرقابة على الاقتصاد في ديوان الرقابة المالية والإدارية معاوية أسعد موسى، الذي قدم تقريرا حول الرقابة بما فيها اعتماد الحساب الختامي للإدارة العامة والمراكز الخارجية والصناديق الخاصة عن السنة المالية 2022، وتقارير الهيئات الرقابية عنه.