لم تلتقط المعارضة السورية، نتائج ما تم التوصل إليه من تفاهمات أميركية روسية واتفاقات موقعة بين واشنطن وطهران، والتغيير الجوهري الذي طرأ على السياسة الأميركية نحو سورية ومجمل أوضاع المنطقة، حصيلة هذه التفاهمات الثنائية والاتفاقات الدولية، فالأولويات الأميركية بقيت كما هي انعكاساً لمصالحها، ولكن أدوات التعامل تبدلت، وأطراف التعاون توسعت، وفق المعطيات المستجدة وموازين القوى المتغيرة، ولم تعد العناصر التقليدية في النظام العربي هي خيار الرهان الأميركي لتثبيت الأمن والاستقرار، وخدمة المصالح الأميركية، فالنظام العربي الذي خلفته نتائج الحرب الباردة لم يعد رهان الولايات المتحدة وأولوياتها، إضافة إلى أن الدور الروسي كان معطلاً خلال تجربتي التدخل العسكري الأميركي في إسقاط نظامي الحكم في العراق وليبيا، ولكن الدب الروسي استيقظ من سباته الشتوي وبات يقظاً حريصاً على مصالحه الأمنية والاقتصادية والسياسية، ولهذا عجزت المعارضة السورية والدعم الأميركي والخليجي لها عن إسقاط النظام السوري.
لقد سعت الولايات المتحدة الأميركية للتوصل إلى تفاهمات مع طرفين في المنطقة العربية أولهما ولاية الفقيه الإيرانية، وثانيهما حركة الإخوان المسلمين، وقد نجحت نحو التفاهم مع إيران وتوصلت معها إلى اتفاقات تعكس قدرة طهران الإقليمية ونفوذها الممتد في قلب العالم العربي، ولذلك وقع التفاهم معها ومن ثم اتفاق عكس نفسه على مجمل الوضع في المنطقة العربية. وأما تفاهمها مع الإخوان المسلمين فقد أخفق في تحقيق أهدافه لسببين: أولهما: نجاح مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في وضع حد لبرنامج الإخوان المسلمين اعتماداً على حركة الشارع وعلى قرار الجيش الذي قاده.
وثانيهما: فشل برنامج حركة الإخوان المسلمين في العديد من البلدان العربية، في الأردن وسورية والعراق وليبيا وبلدان الخليج العربي، فالتفاهم الأميركي مع الإخوان المسلمين استفز الأنظمة المحافظة في العالم العربي، فأصابها النفور واليقظة فوضعت حركة الإخوان المسلمين في قائمة التنظيمات الإرهابية لدى السعودية والإمارات، وأسالتا المليارات نحو الخزينة المصرية لمواصلة معركتها السياسية في إحباط مشروع الإخوان المسلمين الذين فشلوا بعد نجاحهم الانتخابي في إدارة الدولة المصرية بشكل ديمقراطي تعددي فاستفزوا القضاء والإعلام والشارع والجيش الذي نفذ حركته ضدهم، واعتماداً على نتائج الربيع العربي، أخفقوا في تحقيق تقدم يُذكر في أي بلد عربي بل تراجع دورهم وأصابهم الانحسار والتصادم. وقد سبق هذا كله الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس بدعم وتغطية من قبل حركة الإخوان المسلمين ضد منظمة التحرير وسلطتها الوطنية في قطاع غزة في حزيران 2007، وسيطرتها المنفردة على أهالي القطاع منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، لأكثر من ثماني سنوات، أخفقت خلالها حركة حماس وحاضنتها السياسية والفكرية والحزبية حركة الإخوان المسلمين في تحقيق ما يمكن المباهاة به، فلا هي استطاعت تقديم نموذج أفضل من إدارة وسلطة حركة فتح للضفة الفلسطينية، في ظل هيمنة وتسلط الاحتلال، وحركة حماس في ظل بقاء الحصار للقطاع، ولا هي قدمت نموذجاً كفاحياً في استنزاف العدو الإسرائيلي وإرغامه على التخلي عن حصاره الظالم القاسي ضد قطاع غزة.
ولذلك شكلت إدارة حركة حماس نموذجاً حياً لوعي وفهم وإدارة حركة الإخوان المسلمين لسلطة تُسيطر عليها، وهي الحال نفسها التي أخفقت فيها وخلالها أنظمة عبد الناصر في مصر، وصدام حسين في العراق، وحافظ الأسد في سورية، وكذلك النظام اليساري في اليمن الجنوبي، فمضمون وإدارة النظام هو أساس نجاحه، فالأنظمة القومية ومن قبلها الأنظمة اليسارية ومن بعدها الأنظمة الإسلامية، يعود إخفاقها إلى سبب التفرد والتسلط وغياب الديمقراطية، ونفي التعددية وعدم الاعتماد على نتائج صناديق الاقتراع في تداول السلطة وعدم الاحتكام إلى قناعات الناخبين ورغباتهم وبالتالي عدم احترام مصالحهم.
المعارضة السورية المرتبطة بمصالح الممولين وسياساتهم انعكاساً لقوة وأثر الأطراف الاقليمية أكثر من قوة ارتباط المعارضة بمصالح الشعب السوري تحمل أمراض إخفاقات النظام العربي، وقد دل على ذلك إخفاقهم في عدم التوصل إلى مؤسسة تمثيلية واحدة تُدير حركتهم السياسية وتقودها، وعجزهم عن صياغة برنامج ديمقراطي جبهوي تعددي مشترك ما أدى إلى فشلهم أمام الطرفين الأول أمام داعش والقاعدة، والثاني أمام النظام السوري وتماسكه الداخلي وتحالفاته الدولية والاقليمية.