في 10 مارس 2023 فجرت الصين "قنبلتها السياسية المدوية"، بإعلانها "اتفاق بكين" بين العربية السعودية وإيران، للانتقال من مرحلة "المواجهة والتوتر" بأشكال مختلفة إلى مرحلة "التساوم والتفاهم" المتعدد، دون إطفاء الحرائق كافة بين البلدين وتأثيرهما المشترك في أكثر من مكان.
لكن الأبرز في منتج "اتفاق بكين"، أنه سحب ورقة إيران من الاستخدام الأمريكي – الإسرائيلي في المشهد الإقليمي، بأنها ليست الخطر المركزي، وان طريق الحل والتفاهم بات هو الخيار الممكن، عبر وسيط لا يطلب "ثمنا" لرعايته، او دفع مسبق لخدمات بعضها كان بالأساس ضمن حسابات الاستخدام ضد الغير.
كان الاعتقاد، ان مفاجأة "اتفاق بكين" لمرة واحدة جاءت في ظل "غيبوبة أمريكية" جراء الحرب في أوكرانيا والعملية الروسية الخاصة، التي فتحت طريق التغيير القطبي كونيا، قبل أن تصل الى محطتها الأخيرة، لتصويب "الخطأ التاريخي" الذي حدث جراء تفكيك الاتحاد السوفيتي ومعسكره الاشتراكي، رغم ان أطرافا عربية ساهمت بقوة ودعم مالي كبير في ذلك، تنفيذا لطلبات أمريكية.
وسريعا، تأكد أن "اتفاق بكين" ليس حدثا طارئا مفاجئا كصدفة سياسية، بل جاء ضمن سياق تطور تاريخي لا راد له، سيفرض معادلة كونية جديدة في العلاقات الدولية، وبالأساس في مفهوم الرعاة والوساطات لحل أبرز قضايا العصر...رسالة كاملة الأركان، بأن العصر الأمريكي انتهى، وليس سينتهي.
الرسالة الأبرز من "اتفاق بكين" هي أن التكوين القطبي الجديد لن يكون استنساخا لما كان سابقا من "قطبية تناحرية"، بل فتح باب جديد لقطبية قاعدتها "التسويات" نحو "تكاملية" ومحاصرة مصدر الصراعات والحروب، ما انعكس مباشرة على ملامح مختلفة خاصة في المنطقة والإقليم الشرق أوسطي.
وربما عكس "إعلان الرياض" بعد اللقاء العربي الصيني يونيو 2023، ملامح المرحلة المقبلة، أكدتها مخرجاته التسعة نحو علاقات شمولية من أجل، تعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والمالية وغيرها، والارتقاء بها لخدمة المصالح المشتركة والإسهام في تحقيق تطلعات الجانبين في إطار رؤى واستراتيجيات البلدان العربية ومبادرة الحزام والطريق الصينية، ومعالجة التحديات التنموية والدعوة لإطلاق طريق حرير عصرية جديدة.
مرحلة ليست كلاما، بل عكستها أرقام تشير الى الجديد، فالتجارة الدولية بين الصين والأطراف العربية وصلت مستويات مميزة في العام 2022 ليبلغ حجم التبادل التجاري نحو (430 مليار دولار منها 105 مع السعودية) بنمو نسبته 31 في المائة مقارنةً بالعام 2021، متطلعين إلى زيادة هذه النسبة، فيما بلغ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين خلال 2021، نحو 3.6 تريليون دولار،12 في المائة منها من العالم العربي، وتضم نجاحاتٍ متميزةً في مجالات الطاقة والبتروكيميائيات، مع توجّهٍ لتعزيز هذه النجاحات لتشمل قطاعات أخرى.
والجوهري، ان نمو العلاقات التجارية – الاقتصادية الذي ساد طويلا، بدأ يترافق مع نمو في العلاقات السياسية، انتقالا لمرحلة جديدة، لتنهي مرحلة السير الأعرج بقدم واحدة، لتفرض الصين ذاتها شريكا متعدد المهام، وليس مصدرا أو مستوردا استثماريا فقط.
وتأكيدا، او تعزيزا للانطلاقة الصينية المعاصرة، تقدمت لأول مرة بعناصر مبادرة "شي للتسوية"، تتعلق بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تضمنت 3 عناصر وآلية ضامنة:
أولا، يكمن الحل الأساسي للقضية في إقامة دولة فلسطين المستقلة التي تتمتع بسيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ثانيا، يتعين تلبية الحاجات الاقتصادية والمعيشية لفلسطين، ويحتاج المجتمع الدولي إلى تكثيف المساعدات الإنمائية والإنسانية لفلسطين.
ثالثا، من المهم الحفاظ على الاتجاه الصحيح لمحادثات السلام، يتعين احترام الوضع التاريخي الراهن للأماكن المقدسة في القدس، ويتعين تجنب الأقوال والأفعال المفرطة والاستفزازية.
ولأجل ذلك، يتعين عقد مؤتمر سلام دولي واسع النطاق، وأكثر موثوقية وتأثيرا من أجل تهيئة الظروف لاستئناف محادثات السلام، والإسهام بجهود ملموسة لمساعدة فلسطين وإسرائيل على العيش بسلام.
وأن "الصين مستعدة للعب دور إيجابي لمساعدة فلسطين في تحقيق المصالحة الداخلية وتعزيز محادثات السلام".
مع أهمية العناصر الثلاثة، لكن الرسالة الجوهرية لمبادرة "تشي الثلاثية"، هو ان الصين تعلن نهاية مرحلة "الرباعية الدولية" (الأمم المتحدة – روسيا – أمريكا والاتحاد الأوروبي) كراعي لعملية السلام في المنطقة، وبأنها عنصر مركزي لن يكون بالإمكان تجاهله، بل ربما تكون الأكثر قدرة على القيام بذلك الدور من غيرهم.
وكان ملفتا جدا، في "المبادرة التشينية"، انها اشارت الى الوضع الداخلي الفلسطيني للمرة الأولى، وبأنها جاهزة للمساعدة في تحقيق المصالحة الداخلية.
الرسالة الصينية بدأت تجد صدى لها داخل إسرائيل، عندما أشار رئيس الموساد السابق هاليفي، في مؤتمر يوم الأربعاء 14 يونيو 2023، الى الدور الصيني الجديد، وان بكين يمكنها أن تكون "وسيطا" بين تل أبيب وطهران، ما يعزز العلاقات مع العربية السعودية، قد تكون رؤية مبكرة لتصبح ذات حضور في دولة الكيان، لكنها صدى مباشر وفوري للتغير الكبير.
تطورات متسارعة لرؤية القيمة الاستراتيجية لدور الصين الجديد، المنتقل من "النبوغ الاستثماري" نحو بناء طريق حرير سياسي معاصر، يكون القاطرة المستقبلية لحل الصراعات الدولية.
ملاحظة: صفعة كبرى ضد رئيس "التحالف الحكومي الفاشي" نتنياهو، جاءت بعد انتخاب ممثلة المعارضة في لجنة اختيار القضاة، بتصويت 4 من كبار الليكود لها معلنين انهم سئموا منه وإسلوبه..معقول أنه الأمريكان بدأوا رحلة قذفه الى أقرب زنزانة..صفعة صداها كتير حلو ..ويا مزيد منها!
تنويه خاص: تصريحات العاروري نائب رئيس حركة حماس جانبها الصواب كثيرا وجدا...انسوا شو حكى عن فتح والسلطة وعباس..وخلونا مع السقطة الكبرى، لما نفى انه حركته ما عملت تفاهم "تهدئة مقابل مصاري وامتيازات في غزة"... مع انه كل صبي في القطاع عارفها..معقول انت غايب فيلة عنها.. يا صالح صلح معلوماتك!