ما زالت نظرتنا للمنتج الصيني نظرة سلبية لا تخرج عن سياق المنتج الزهيد الثمن الرديء الجودة، وكأنه منتج يستهدف الفقراء ومحدودي الدخل ولا يعمر طويلاً، ولا قبل له على مجاراة المنتجات الغربية الفائقة الجودة صاحبة العلامات التجارية التي تكفل لها عناصر الجذب والقوة، والحقيقة غير ذلك حيث تقدم الصين المنتج بفئات مختلفة بدءاً من زهيدة الثمن وصولاً إلى فئة تتفوق بجودتها على العلامات التجارية صاحبة الصيت والسمعة، وعجلة الاقتصاد الصيني تتحرك بسرعة مذهلة وتواصل منتجاتها غزو الأسواق الدولية والسيطرة عليها، وإن كانت الصين تمتلك القوة العسكرية القادرة على حماية تطورها الاقتصادي، فهي تدرك اليوم أنها بحاجة لأن تكون صاحبة ثقل سياسي وازن على المسرح الدولي يتماشى مع ثقلها الاقتصادي ويفتح له أسواقاً جديده.
حظيت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الصين بإهتمام إعلامي، سيما أن الرئيس مقل في سفره بحكم السن من جهة وتراجع الأهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، وكثر الحديث عما يمكن أن تفضي إليه هذه الزيارة سيما بعد نجاح الصين في رأب الصدع بين السعودية وإيران، فهل يمكن للصين أن تلعب الدور ذاته فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟، لسنا بحاجة لإجتهاد خارج سياق المنطق، فالصين رغم ثقلها الاقتصادي الذي تنافس به الولايات المتحدة ورغبتها في أن تكون لاعباً محورياً في السياسة الدولية، لكن هذا لا يكفل لها تحقيق إختراق في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهي من جانب لا تملك أدوات الضغط على حكومة الاحتلال ولا يمكن لها أن تلجم التطرف الإسرائيلي لتهيئة البيئة المناسبة لإصلاح قطار السلام المعطل منذ سنوات، والأهم أن إسرائيل لا يمكن لها أن تمنح الصين دور الوسيط عوضاً عن الولايات المتحدة حليفها الإستيراتيجي ومحاميها في المحافل الدولية، وكذلك الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح بفتح هذا الباب ولو بشكل موارب أمام الصين "غريمها اللدود"، فإن كان الطرف الفلسطيني يرحب بل ويحبذ أن تلعب الصين دور الوسيط وتعمل على تقريب وجهات النظر أو حتى تساعد في الترتيب لمؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، فإن الطرف الآخر في الصراع لا يروق له البتة هذا الدور ولن يتعاطى معه بأي حال من الأحوال حتى وإن جاءت الصين بأفكار حول إنهاء الصراع وتطبيع أوسع مما جاء في المبادرة العربية تكون إيران جزءاً منه، وبالتالي ليس من المفيد أن نقرع باباً خارج حدود المنطق، وأن تكون وجهتنا في تطوير علاقة الصداقة مع الصين وتعزيز مواقفها الداعمة للحقوق الفلسطينية سيما وأننا على أعتاب تشكيل عالم متعدد القطبية.
الصين بعد سنوات من التطور الاقتصادي المذهل باتت تتطلع لدور سياسي على المسرح الدولي يتماشى مع قوتها الاقتصادية ويفتح لمنتجاتها آفاقاً جديدة، وتقوم فلسفتها على أنها قوة سلام وأنها بحاجة لإطفاء الحرائق ونزع فتيل الصراعات كي تتمكن من توسيع رقعة طريق الحرير أمام إقتصادها، على خلاف الاقتصاد الأمريكي المبني بالأساس على القوة العسكرية وتفجير الصراعات والحروب، والدور المتنامي للصين في العالم وإن أخذ الطابع الاقتصادي إلا أنه بات يثير قلق زعيمة العالم "أمريكا" وفيه تهديد جدي لنفوذها كشرطي العالم الأوحد، فالسياسة والإقتصاد توأم سيامي لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وأمريكا تعلم أن الصين تقدمت عليها في حجم علاقاتها الاقتصادية مع الكثير من دول العالم، فيكفي أن نقول أن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية بلغ العام الماضي ٤٣٠ مليار دولار وهو ما يعادل أربعة أضعاف حجم التبادل التجاري بين أمريكا والدول العربية، ومؤتمر الأعمال الذي تحتضنه الرياض والذي يجمع الصين بالدول العربية يأتي في سياق التطلع لزيادة التبادل التجاري إلى ٦٠٠ مليار دولار خلال العامين القادمين، وقفز التبادل التجاري بين الصين والدول الأفريقية إلى ٢٥٠ مليار دولار في الوقت الذي تراجع نظيره الأمريكي إلى ٤٠ مليار دولار، لا شك أن هذه الأرقام تثير فزع أمريكا لأنها تعلم جيداً أن الاقتصاد يفتح للسياسة الأبواب المغلقة.
المؤكد أن عالم أحادي القطبية يطوي صفحاته الأخيرة وأننا على مشارف عالم متعدد القطبية تلعب فيه الصين دوراً محورياً، ومن المهم فلسطينياً أن نعزز صداقتنا مع الصين سيما وأنها كانت دوماً داعمة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحاضنه معنوية لثورته وكفاحه، وإن أخفقت الصين في تسويق منتجها السياسي المتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي بفعل الرفض الإسرائيلي له، وهو المتوقع، فعلى الأقل تكون قد صاغت حقيقة مفادها أن أمريكا لا يمكن لها أن تلعب دور الوسيط بمفردها وبمعزل عن العالم.