بشكل غريب، ومفاجئ، خرج البعض من أهل القدس معلنا أنه سيقدم على المشاركة في انتخابات بلديتها وفق القانون الاحتلالي – الاغتصابي، متذرعا بما أسموه تقديم خدمات للمواطن الفلسطيني.
والمفارقة الترويجية لتلك "الخدعة الكبرى"، انهم وضعوا اسم الرئيس محمود عباس طرفا صامتا في معادلة التخريب الوطني، التي يراد لها أن تستبدل "مقدس سياسي" في مواجهة تهويد العاصمة الأبدية لفلسطين، بل ومشاركة عملية في تكريس ضم لما ليس حقا قانونيا وفق قرارات دولية، ومخالفا لنص اتفاق "إعلان المبادئ" عام 1993 فيما يتعلق بالقدس الغربية وليس الشرقية كما يعتقد "سذج السياسة".
ربما، ما كان الأمر يستحق أكثر من تنويه سريع لما أعلنه البعض حول تلك الانتخابات، لولا وضع رئيس "مجمع الرسميات الفلسطينية" محمود عباس، وكأنه منح ضوءا أخضرا لهم، بعدما أرسلوا له رأيا، فصمت دون رد، وتعاملوا مع ذلك على طريقة فتيات أهل الريف عند سؤالها حول الزواج من فلان "فيصيبها الخجل وتلجأ لسلاح الصمت" ليعلن الأحبة أنها موافقة، دون تقدير لأي قضية أخرى، بأنها تحسب حساب الرفض أو الممانعة خوفا.
وبعيدا، عن "صمت الرئيس عباس الخجول"، وتجاهل متفرعات الرسميات وفصائلها وكذا قوى القدس المدنية والسياسية، فالإعلان بذاته، رسالة بأن هناك تمهيد لتغيير الموقف الوطني الفلسطيني جذريا، والانتقال الى مرحلة "التفاهم" مع التنفيذ العملي لمخطط الضم والتهويد في القدس بكامل محيطها، شرقا وغربا.
اعتقاد البعض أن "القدس الغربية" ينطبق عليها قانونا كما حيفا و تل أبيب، أو عكا وعسقلان، فهو إما "جاهل سياسي" أو "متواطئ سياسي"، حيث أن الأمم المتحدة وغالبية الأعضاء فيها لا يعترفون أبدا بضم حكومات الكيان التي بدأت منذ عام 1948، للقدس الغربية ولا تزال تمثل عقبة كبيرة أمام "شرعنة الضم"، وليس صدفة أن عدد المعترفين بها أقل من أصابع الأيادي وأن الغالبية المطلقة من السفارات تتواجد في تل أبيب، وللتذكير أول كسر للمحظور الأمريكي حول القدس الغربية قام به ترامب في سياق تنفيذ مخطط رسمه ثلاثي التهويد في إدارته، بومبيو وكوشنير صهره مع السفير الصهيوني المتطرف فريدمان.
وتدقيقا سياسيا، فإعلان المبادئ المعروف إعلاميا بـ (اتفاق أوسلو)، وضع القدس بكليتها، وليس الشرقية فقط، لقضايا الحل الدائم، ما ينفي ترويج البعض المتهالك زحفا للشراكة في الانتخابات التهويدية حول ان القصد هو فقط القدس الشرقية، وهذا غير صحيح إطلاقا، فالكلمة واضحة جدا، القدس، غير مقسمة، وكان ذلك أحد "الاختراقات الهامة جدا" التي كرسها الاتفاق، بعيدا عن فرقة الجعجعة الفكرية – السياسية، واعداء الكيانية الوطنية الفلسطينية.
مقاومة "النهج التهويدي الانتخابي" في القدس، ضرورة سياسية قصوى، ومبكرا قبل أن يصبح الأمر وكأنه حالة اعتيادية، تفرض منطقها لتصبح وكأنها واقع قائم، ما يخلق مطبات مضاعفة في حالة المواجهة لعملية هي الأخطر على مكانة القدس والموقف الوطني منها، عاصمة ومكانة ومستقبلا، وخاصة أنها دعوة تتزامن مع مقترح بفرض التقسيم المكاني للحرم القدسي، والشروع بوضع مخطط "الهيكل" على حساب "قبة الصخرة".
والتبرير بأنها محاولة للبحث عن تقديم مصلحة أهل القدس، فليراجع من قفز فجأة لتقديم ذاته انتخابيا، المسار منذ عام 1967 وحتى تاريخه، وكيف قاوم أهل القدس كل نزعة تهويدية تحت "نقاب الانتخابات وتقديم الخدمات".
وكي لا يبقى الأمر "مداورة سياسية" تستغل من هذا وذاك، مطلوب فورا من مكتب الرئيس محمود عباس ردا قاطعا، وصمته سيكون لصالح مخطط "التحالف الفاشي المعاصر" لضم القدس وتهويدها، وكذا من الحكومة الفلسطينية ورئيسها التي تجاهلت المسألة بشكل يثير ريبة وطنية.
مواجهة "حصان طروادة الانتخابي" التهويدي في القدس واجب وفرض وطني مقدس، لا مجال لفتح جدل ونقاش حولها، فذلك ثابت من ثوابت الوطنية المتكاملة، لا تتعامل بمبدأ الاحتمالية والتجريب.
ملاحظة: يوم 16 يونيو 2023، مثل انعكاس لمكانة عربية تتضح في الكونية السياسية..بطرسبورغ (ليننغراد) تنير بمشاركة الرئيس تبون وبن زايد وحضور غير مباشر للسيسي مع بوتين...وباريس تفتح ذراعيها لبن سلمان..يوم عربي يعلن أن القادم لن يكون كما كان أبدا..بح للاستهبال !
تنويه خاص: أكرمت الصين فلسطين، شعبا وقضية ودولة بإزاحة الستار عن نصب تذكاري للخالد مؤسس الكيانية الوطنية ياسر عرفات تخليدا لدوره ومكانته في مسار التاريخ المعاصر...رسالة غابت عن غالبية دول العرب... يمكن تتذكر ما لا يجب أن يغيب!