تحطّمت الآمال الاسرائيلية بتحقيق انجاز قريب على صعيد ملف التطبيع مع السعودية بعد فشل وزير الخارجية الامريكي أنتوني بلينكن في إحداث اختراق لهذا الملف إبان زيارته للرياض الاسبوع الماضي، خاصة بعد التصريحات الحاسمة لوزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان" بأن التطبيع ذو فوائد "محدودة" دون اتمام سلام مع الفلسطينيين . والحقيقة ان الموقف السعودي ليس جديدا فخلال السنوات السابقة أكدت السعودية أنها ليست من السهولة بمكان لتبيع هذا الانجاز ببساطة لإسرائيل . وفي كلّ مرة يبدو أن هذا الامر بات وشيكًا تعود السعودية وترفع من سقف شروطها وتؤكد على موقفها الثابت لا تطبيع دون الفلسطينيين. التطبيع مع السعودية حلم لنتنياهو وضعه على رأس اولوياته منذ عودته الى الحكم، وهو بمثابة الجائزة الكبرى له في خطوة ـــ إذا تحققت ـــ ستكون كفيلة بكسر الجليد السياسي الذي يحيط به داخليا وخارجيا . فالسعودية مركز الثقل الاستراتيجي اقتصاديا ودينيا في العالم العربي والاسلامي، ووزنها الاستراتيجي يضعها في كفة وجميع الدول المطبعة الاخرى في كفة.
مقابل هذا الفشل الذريع، حققت اسرائيل هذا الاسبوع نصرا دبلوماسيا إثر توقيع روسيا اتفاقية يتم بوجبها افتتاح فرع للقنصلية الروسية في القدس المحتلة . وتعد الاسباب التي بررتها موسكو لهذه الاتفاقية تافهة جدا لا تليق أبداً بدولة عظمى تعي خطورة الدلالات السياسية لهذا الامر في أكثر الملفات تعقيدا بين الفلسطينيين واسرائيل، حيث اعتبرتها صفقة تسوية مع بلدية القدس المحتلة لنزاع حول أراض اشترتها الامبراطورية الروسية عام 1885 .
بالنسبة لإسرائيل/ نتنياهو فإنّ هذا النّصر السياسي والدبلوماسي يعوّض بعضاً من خيبة الامل التي صاحبت فشل مسألة التطبيع مع السعودية الاسبوع الماضي. أما بالنسبة لروسيا / بوتين أعتقد أن ثمن هذه الخطوة أبعد كثيرا من صفقة عقارات تطالب بها روسيا في القدس.
فعلى الرغم من التحديات التي واجهت العلاقات الاسرائيلية منذ بدء الأزمة الروسية / الأوكرانية، إلا أنها لم تمنع من استمرارية ومتانة العلاقات بين الطرفين التي تتصف بالتشابك والتعقيد كما يحلو لنتنياهو القول حين الحديث عنها. وحتى في أشدّ ظروف الحرب الباردة في الماضي وانقطاع العلاقات كان هناك اتصالات سرّية بين الجانبين. ودائما تعلو أصوات في تل ابيب وموسكو تتحدث عن أهمية استمرارية العلاقات بين البلدين لضمان أمنهما القومي . إبان الأزمة الاوكرانية اعتمدت اسرائيل في نهجها ما يسمى "الدبلوماسية الذكية" التي ارتكزت على سياسة الحذر الشديد وتحمل الضغوطات الغربية وعدم اتخاذ موقف واضح من الازمة حتى لا تغضب بوتين.
اسرائيل تضع ايران في واجهة الاعداء وروسيا تضع حربها في أوكرانيا على رأس أولوياتها . إسرائيل قلقة جدا من التقارب الروسي/ الايراني الأخير وتخشى من تزويد ايران بأسلحة متطورة ومنظومات دفاعية وفقدان هامش الحرية الذي يمنحه بوتين للجيش الاسرائيلي لتنفيذ عملياته العسكرية وأهدافه في عمق الاراضي السورية ضد ايران. من جهتها روسيا تشتكي من تعاظم الدعم الاسرائيلي المقدّم لأوكرانيا رغم ان هذه الاخيرة لا تراه كافيا.
منذ عودة نتنياهو الى الحكم كان السؤال الأكثر الحاحا في اسرائيل هو المدى الذي يمكن أن تصل اليه العلاقات بين موسكو وتل ابيب، وما إذا كان سيتغير موقف الحكومة اليمينية في اسرائيل من الأزمة الأوكرانية؟ الظاهر للعيان أن السياسة الاسرائيلية بقيت كما هي تتسم بالحذر والحياد، لكن كان هناك اشارات توحي بزيادة التقارب الروسي/ الاسرائيلي ، فلم يعد هناك انتقاد لروسيا علنا ولم تتحول الاقوال بمساعدة عسكرية اسرائيلية لأوكرانيا الى أفعال حتى اليوم ، ولم يتحدث وزير الخارجية الاسرائيلي ضد روسيا أو يذكرها اثناء زيارته لكييف في فبراير الماضي .
يبدو أن الرجلين بوتين ونتنياهو لديهما من نقاط الالتقاء والمصالح أكثر مما يختلفا، وستكشف الايام المقبلة عن ثمن هذه الخطوة .