الصين أول دولة أجنبية توجه دعوة رسمية لمنظمة التحرير وتستضيف أحمد الشقيري. اعترفت الصين بالمنظمة بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ومنحت مكتبها في بكين جميع الامتيازات الدبلوماسية الممنوحة للسفارات الأجنبية، مما ساعد على تعزيز مكانة المنظمة دوليا.
يعود تاريخ العلاقات الفلسطينية الصينية إلى العام 1965 حين كانت الصين أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وسبق ذلك إعلانها تأييد حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في التحرر والعودة، جاء قيام جمهورية الصين الشعبية نتيجة انتصار الثورة الشيوعية عام 1949 برئاسة ماو تسي تونغ، وكان ذلك بمثابة المكافأة لحركات التحرر في العالم وتأييدها للكفاح الفلسطيني المسلح ضد الاستعمار. قام وفد فلسطيني برئاسة الراحل أحمد الشقيري في 17 مارس 1965 بزيارة رسمية إلى بكين وأجرى مباحثات مع شوآن لاي رئيس الوزراء الصيني آنذاك. وأعلن عن تأسيس مكتب تمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في بكين. وفي 20 نوفمبر 1988 على إثر اعلان الاستقلال، أعلنت جمهورية الصين الشعبية الاعتراف بدولة فلسطين وإقامة علاقات دبلوماسية معها.
في بداياتها، أولت منظمة التحرير الفلسطينية اهتماما للمسائل العسكرية والسياسية اكبر من المسائل الدبلوماسية؛ في عام 1968، أصبحت الإدارة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية الإدارة المركزية للعمل الدبلوماسي الخارجي. يرجع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية لعام 1959 حيث قدمت مصر اقتراحا إلى مجلس جامعة الدول العربية إلا أن قرار إقامة م.ت.ف من قبل جامعة الدول العربية خرج عام 1963. وفي عام 1964، أعلن مؤتمر فلسطيني عام في القدس عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وانتخب أحمد الشقيري رئيسا للمنظمة. في عام 1969، انتخب ياسر عرفات، قائدا لحركة فتح، رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. في عام 1974، اعترفت القمة العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" في كافة أماكن تواجده ومنحتها الأمم المتحدة إثر ذلك صفة مراقب بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة. شهد عام 1974 علامة فارقة للدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة حيث تم اعتماد عشرات القرارات بما في ذلك القراران 3237 و 3210 اللذان أكدا على وضع منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني. فبراير 1989 حصلت منظمة التحرير على اعتراف من 94 دولة، وخلال دورة مجلس الأمن الدولي في عام 1989، منحت فلسطين الحق في إثارة نقطة نظام والتحدث نيابة عنها في قضية تتعلق بالوضع الفلسطيني أو الشرق الأوسط.
ما بين 1974-1982 انشغلت المنظمة بدبلوماسية تمحورت حول كسب الاعتراف الدولي باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وشهدت هذه الفترة اعتمادا متزايدا على العمل الدبلوماسي كأداة رئيسية مباشرة للنضال السياسي. قبلت حركة عدم الانحياز منظمة التحرير الفلسطينية كعضو كامل العضوية في 1976. ومنحت منظمة الوحدة الأفريقية منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب للمنظمة. في 1977، أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية إدارة العلاقات الوطنية والدولية، المكلفة بالعمل مع منظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية غير الحاكمة وجميع المنظمات غير الحكومية العاملة من أجل السلام.
كانت الصين أول دولة أجنبية تستضيف رئيس منظمة التحرير الفلسطينية (1965). ووافقت على إنشاء بعثة دبلوماسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في بكين. بعد ٦ سنوات، قام رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات بأول زيارة علنية له إلى الاتحاد السوفيتي في عام 1971 كما لجأت منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لتحسين الوضع القانوني للمنظمة، ونجحت في عام 1970 بمشاركتها في مناقشة "قضية فلسطين" في اللجنة السياسية للجمعية العامة للأمم المتحدة، تلاها اعتماد قرارين من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة يؤكدان حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وهما القراران رقم (2672 و 2628). ثم اعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في عام 1974.
في ظل التحالفات التي نشهدها في الإقليم، والمصالحة العلنية بين الأنظمة المتعادية تاريخياً، وبعد انعقاد قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية في ديسمبر 2022، وبعد رعاية الصين لإعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعودة سوريا للجامعة العربية.
تأتي زيارة الرئيس محمود عباس لتعزيز واستدامة العلاقات التاريخية الاستراتيجية بين فلسطين والصين، هذه هي الزيارة الخامسة للرئيس محمود عباس لبكين منذ عام 2005، حيث كانت الزيارة الأولى في 2005، ثم 2010 لمنظمة شنغهاي، وزيارتان على مستوى دولة في 2013 و 2017. وتأتي زيارة الرئيس إلى بكين لمناسبة مرور 35 عاما على الاعتراف بدولة فلسطين وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين، وفي إطار حرص القيادتين الفلسطينية والصينية على تعزيز وتوطيد العلاقات الثنائية القوية في المجالات كافة.
بغض النظر عن الهدف الرئيسي من الزيارة سواء بالحصول على الدعم المادي او السياسي او لتنظيم عقد مؤتمر دولي للسلام، الصين دولة عظمى ودائمة العضوية في مجلس الامن الدولي. من الحكمة لصانع القرار الفلسطيني ان يخطط دبلوماسيا بطريقة استراتيجية ويستمر في بناء التحالفات وان يوسع التمثيل في كل الساحات، على الدبلوماسية الفلسطينية ان ترسم خرائط التشبيك على مستوى السياسة الخارجية وان تجد المصالح والجاذبية في علاقاتها. فنحن نعيش في عالم متغير متسارع براغماتي لا يحتمل تضييع الفرص وخاصة على مجال العلاقات الخارجية ودبلوماسية الأمم المتحدة بغض النظر عن شؤون الدول الداخلية واصابع الاتهام التي تواجهها من نظام أحادي القطبية.
دلال عريقات: استاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الامريكية.