تجري في هذه الأيام أحاديث متواترة حول قرب إجراء لقاءات قيادية بين حركتي فتح وحماس ربما في الدوحة، ويجري الحديث عن مصالحة "ما" تم الاعداد لها "بعناية" وتمت لها الرعاية الكافية من قبل كل من تركيا وقطر.
في قراءة خلفية هذه اللقاءات يُقال إن حركة حماس وصلت إلى طريقٍ مسدودة في تطبيع علاقتها مع العربية السعودية ولم تثمر تدخلات حزب الله حتى الآن عن إحداث اختراق في إعادة جسور "الثقة" بين حركة حماس من جهة وطهران من جهة أخرى.
كما يُقال، أيضاً، إن حركة حماس باتت على قناعة تامة بأن نزع فتيل الانفجار في علاقتها بالدولة المصرية أمر صعب دون المرور ببوابة الشرعية الفلسطينية والتوصل إلى تفاهمات كاملة بين حركة فتح وحماس لكي يُصار تدريجياً إلى تطبيع علاقات مصر مع حماس بعد أن تتسلم السلطة الشرعية والحكومة التي تمثلها مقاليد الأمور من الناحية الرسمية، ودون أن تتأكد القاهرة من أن هذا "التطبيع" التدريجي يتم بوجود سلطة شرعية وبدور حاسم لها وبمسؤوليات كافية تمارسها.
مقابل قراءة خلفية هذه اللقاءات بالنسبة لحركة حماس هناك ما يُقال عن نفس هذه الخلفية لدى حركة فتح.
يُقال هنا إن حركة فتح بدورها أصبحت على قناعة من أن حركة حماس ليست على استعداد لعقد "صفقة" سياسية تحت مُسمّى المصالحة بدون رعاية الإخوان المسلمين وبدون دور مباشر لكل من أنقرة والدوحة، خصوصاً وأن العربية السعودية ـ على ما يبدو ـ ليست مستعدة لأن تلعب دوراً ضاغطاً باتجاه المصالحة دون أن تكون مصر موافقة على مثل هذا الدور وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي بات يُحتِّم على فتح القبول المبدئي بتلك الرعاية القطرية التركية.
كما يُقال، أيضاً، إن حركة فتح في قراءة التداخلات الإقليمية والدولية لإعادة رسم الجغرافية في منطقة الإقليم العربي وفي إعادة "هندسة" المجتمعات العربية وفق مصالح والتقاء مصالح تلك التداخلات باتت توجب الوصول الى تفاهمات داخلية فلسطينية تمنع تلك التداخلات من تجاهل وضع فلسطين على تلك الخارطة، وهو الأمر الذي يعني ـ من وجهة نظر حركة فتح ـ أن المصالحة باتت ضرورية أكثر من أي وقت مضى من زاوية الدفاع عن المشروع الوطني وإبقاء هذا المشروع في خضّم وفي صلب حقائق المنطقة ونتائج مسار التطور فيها.
ويُقال، أيضاً، أن حركة فتح باتت على قناعة تامة بأن المواجهة مع إسرائيل سياسياً ودبلوماسياً لا بدّ وأن تصل بالعلاقة الإسرائيلية ـ الفلسطينية إلى القطيعة التامة عند درجة معينة من احتدام المواجهة وتحول هذه المواجهة بأشكال مختلفة وبوتائر مختلفة، أيضاً، إلى مصادمات كبيرة على كل الصعد والمستويات، وأن لا سبيل أمام فتح إلاّ تجنّب كل إمكانية يمكن أن تلجأ إليها إسرائيل عَبر بوّابة الانقسام لتدمير السلطة الفلسطينية أو شلّها بالكامل، وأن لا سبيل للصمود في هذه المعركة القادمة لا محالة إلاّ بإغلاق بوابة الانقسام وتفويت الفرصة على إسرائيل للعبور منها.
وفي هذا السياق، أيضاً، يُقال إن حركة فتح قد دقّقت كثيراً وتمعّنت في دعوة مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي لإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني واصرار هذا المجلس على ضرورة الوصول إلى مصالحة سريعة حتى يتمكن الفلسطيني من مواجهة الاستحقاقات القادمة بحالة واحدة وموحدة.
كما يُقال، أيضاً، إن حركة فتح لا تودّ أبداً أن تذهب إلى مؤتمرها الوطني قبل إنجاز المصالحة لأن من شأن ذلك أن يؤثر سلبياً على وحدة وتماسك الحركة بدون هذه المصالحة، وأن من شأن إنجاز هذه المصالحة أن يعزز من هذه الوحدة والتماسك وفي وقت تحتاج فيه الحركة إلى ذلك.
وسواء صحّت هذه القرارات كلياً أو جزئياً، فإن الأمر ينطوي على أهمية هذه الاعتبارات كلها أو على درجة متفاوتة في دور كل اعتبار وفي حسابات أولويات هذه الاعتبارات لدى كل من فتح وحماس، وطرائق قراءة المصالح الوطنية من جهة والمصالح الخاصة لكل منهما من جهة أخرى.
الأمر المؤكد هنا أن قراءة خلفية التوجه إلى المصالحة هي خلفية مختلفة جذرياً.
ففي حين ترى حركة فتح أساساً أن الأمر يتعلق بالمشروع الوطني وبفلسطين على خارطة الجغرافيا، وفي القدرة على منع إسرائيل من "الاستثمار" في حالة الانقسام القائمة، وتتطلع جزئياً إلى أهمية المصالحة في دعم وتعزيز وحدتها الداخلية ترى حركة حماس أساساً أن الأمر يتعلق بمصالح حركة حماس ودورها وحصتها وتطبيع علاقاتها بدول الإقليم، وهي لا ترى في المشروع الوطني والخطر الذي تتعرض له القضية الوطنية ما يملي عليها الذهاب إلى المصالحة، وهي تنظر إلى المصالحة من زاوية ما يترتب عليها من دور خاص بالحركة نفسها، وليس علاقة هذا الدور بالمشروع الوطني.
على هذا الأساس فجديد المصالحة ما زال نفعياً واعتباراتها الرئيسية ما زالت "تكتيكية"، وهو ما يعاود التأكيد على قديم هذه المصالحة الذي عرفناه وعهدناه وما أحبطنا لعشرات المرّات جرّاء المراهنة عليه.
ما زالت المصالحة تدور في فلك خارج الدائرة المركزية. أي دائرة القناعة بالمشاركة ودائرة أهمية وضرورة الوحدة لمواجهة الاحتلال ودائرة أولوية الوحدة على المصالح الخاصة.
ما زالت الوحدة خارج البيئة الطبيعية لها، أي خارج بيئة الديمقراطية وتداول "السلطة"، وما زالت الوحدة خارج نطاق الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب والوطن والقضية.
ومع ذلك فإذا أتت المصالحة التكتيكية القادمة بفتح المعابر، وبحكومة وحدة وطنية تعمل لإجراء الانتخابات، وإذا ما حُلّت بعض مشاكل أبناء شعبنا في القطاع فهذا إنجاز كبير ولكنه ما زال بعيداً عن الوحدة التي نحتاجها.